هل يفسد اليمين الإسرائيلي مشروع ترامب للسلام؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

  في لحظة حرجة من الصراع بين الهدنة والحرب، تكشف الزيارات الأمريكية المتتالية إلى تل أبيب عن مشهد سياسي شديد التعقيد، يتجاوز حدود الدبلوماسية إلى معركة توازنات دقيقة بين البيت الأبيض وحكومة بنيامين نتنياهو، فزيارة نائب الرئيس الأمريكي ج. د. فانس، وأعقبها حضور وزير الخارجية ماركو روبيو، وقبلها زيارات المستشار جاريد كوشنر والمبعوث ستيف ويتكوف، لم تكن مجرد لقاءات روتينية، بل جاءت كجزء من خطة طوارئ أمريكية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وسط خشية حقيقية من أن يقدم اليمين الإسرائيلي المتطرف على تفجير الوضع من جديد، مهددًا كل ما تحقق سياسيًا ودبلوماسيًا.

الإدارة الأمريكية تدرك أن التهدئة الحالية هشة، وأن هناك تيارًا داخل إسرائيل يرى في أي تسوية سياسية هزيمة أيديولوجية وخضوعًا للضغوط الدولية، لذلك جاءت تلك الزيارات لتوجيه رسائل مزدوجة: الأولى لطمأنة الحلفاء في تل أبيب بأن واشنطن ما زالت شريكًا استراتيجيًا، والثانية للضغط غير المباشر على نتنياهو لضبط إيقاع اليمين المتطرف داخل ائتلافه الحكومي، فالإدارة تخشى أن يؤدي أي تحرك غير محسوب من وزراء مثل بن جفير أو سموتريتش إلى انهيار اتفاق الهدنة وإشعال مواجهة جديدة، وهو ما سيقوّض كل الخطاب الذي بنى عليه ترامب صورته كرجل قادر على تحقيق سلام بلا تنازلات.

معركة على عدة جبهات

فالرئيس ترامب يواجه الآن معركة على أكثر من جبهة، في الداخل الأمريكي، يسعى إلى الحفاظ على صورته كزعيم براجماتي استطاع تحقيق ما فشلت فيه الإدارات السابقة، وفي الخارج يريد أن يظهر بمظهر القوة القادرة على ضبط الحلفاء في أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط، لكن أي تصعيد ميداني في غزة أو توتر سياسي داخل إسرائيل سيحول هذا الإنجاز إلى عبء، ويظهر ترامب وكأنه فقد السيطرة على أكثر حلفائه قربا.

ولهذا، فإن واشنطن تتحرك في تل أبيب بعصا ناعمة، لا تهدد ولكن تلوح، ولا تصطدم ولكن تحاصر، مستخدمة لغة الضغوط الوهمية، هذه الضغوط تمنح نتنياهو هامشًا آمنًا للمناورة أمام شركائه المتطرفين، بينما تتيح للإدارة الأمريكية أن تبدو وكأنها تمارس دور الوسيط الصارم في نظر المجتمع الدولي. إنها لعبة توازن دقيقة، واشنطن تضغط إعلاميًا، لكنها في الواقع تغطي على مساحة التحرك التي تسمح بها لنتنياهو حتى لا ينهار ائتلافه، لأن سقوطه في هذا التوقيت سيقلب حسابات واشنطن بالكامل.

ورغم ما يبدو من برود أو توتر بين ترامب ونتنياهو في بعض المواقف العلنية، إلا أن العلاقة بين الرجلين أعمق بكثير مما يتصوره الرأي العام. فهما يتشاركان رؤية متقاربة للسلطة، وميلًا واضحًا نحو الشعبوية السياسية، وتقديسًا لفكرة الزعيم المنقذ الذي يتجاوز المؤسسات، وما حدث في الكنيست أثناء كلمة ترامب الأخيرة ليس تفصيلًا عابرًا، حين دوى التصفيق الحاد وطالب بالعفو عن نتنياهو في قضايا الفساد، تلك اللحظة كانت رسالة رمزية بأن واشنطن وتل أبيب تتفاهمان بعمق خلف الكواليس، وأن الحديث عن تصدع العلاقات بين ترامب ونتنياهو هو أقرب إلى تمثيل سياسي معد بعناية لإرضاء الداخلين، الأمريكي والإسرائيلي معا.

سباق مع الزمن

الإدارة الأمريكية تستخدم هذه العلاقة لتثبيت صورتها كضامن للسلام، لكنها في الوقت نفسه تخشى من اليمين الإسرائيلي الذي لم يتوقف يومًا عن محاولة خلط الأوراق، فهؤلاء المتشددون، الذين يرون في استمرار الهدنة خطيئة سياسية، يسعون إلى جر الجيش الإسرائيلي نحو عمليات جديدة في غزة أو تصعيد في الضفة الغربية، لإفشال أي اتفاق يعطي انطباعا بانتصار الدبلوماسية على القوة، إنهم يدركون أن الفوضى وحدها تمنحهم الوجود والشرعية، وأن الحرب مهما كانت مكلفة تظل وسيلتهم الوحيدة لإعادة فرض أجندتهم على الحكومة والمجتمع الإسرائيلي.

من هذا المنطلق، تبدو الزيارات الأمريكية المكثفة أقرب إلى سباق مع الزمن. فواشنطن تريد أن تضمن أن لا يخرج الموقف عن السيطرة قبل أن تتمكن من تحويل الهدنة إلى اتفاق سياسي دائم، وربما إلى مشروع سلام جديد يقدمه ترامب للعالم كإنجاز رئاسي يعيد بريقه الدولي، لذلك كان الحضور الأمريكي في تل أبيب بهذه الكثافة والرمزية من نائب الرئيس إلى وزير الخارجية مرورًا بمستشاريه الأقرب جزءًا من حملة سياسية ودبلوماسية لإقناع العالم بأن واشنطن تمسك بزمام المبادرة، حتى وإن كانت الحقيقة على الأرض أكثر هشاشة مما تبدو عليه.

لكن تبقى المعضلة أن اليمين المتطرف لا يخضع للمنطق الدبلوماسي، بل يعيش على خطاب الكراهية والتصعيد، ومن غير المستبعد أن يلجأ إلى افتعال حادث أمني يعيد الحرب إلى واجهة المشهد، لتتحول الهدنة إلى مجرد فصل مؤقت من مسلسل الصراع الطويل. عندها، ستكون واشنطن أمام مأزق جديد: كيف تبرر فشلها في حماية اتفاق رعته بنفسها؟ وكيف تبرر للعالم أنها سمحت لحليفها الأقرب بأن يجر المنطقة إلى جولة جديدة من الدم؟.

عملية إطفاء حريق

إن الزيارات الأمريكية إلى تل أبيب ليست تعبيرًا عن تحالف دافئ بقدر ما هي عملية إطفاء مبكر لحريق سياسي قادم، الإدارة الأمريكية تتحرك بقلق واضح، لأن أي انهيار في الهدنة يعني سقوط مشروع ترامب للشرق الأوسط، وتشويه صورته التي صاغها بخطاباته المكررة عن السلام الدائم، أما اليمين الإسرائيلي، فسيبقى الرقم الأصعب في المعادلة، لأنه وحده يمتلك القدرة  بل والرغبة في تحويل الهدوء إلى عاصفة، والفوضى إلى وسيلة لإعادة الحرب من جديد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق