"ثنائية الموت والحياة" في أفلام مهرجان الجونة السينمائي

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شهدت النسخة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي عدد من العروض المتنوعة في أول أيام فعالياته الممتدة على مدار أسبوع. استكشفت الأفلام المشاركة في عدد من الأقسام المختلفة: مفاهيم الموت والحياة عبر صراعات وأحداث لاهثة يخوضها أبطالها، ما يعرّي هشاشة التكوين الإنساني في مواجهة قسوة الوجود.

 

d22b2bfdd5.jpg
فيلم ضع روحك على يدك وامشِ

مرارة الواقع في غزة

في أولى عروض مسابقة الأفلام الوثائقية، قُدّم فيلم "ضع روحك على يدك وامشِ" للمخرجة سبيده فارسي. الفيلم عبارة عن سلسلة من اللقاءات المؤرقة عبر الإنترنت تجريها المخرجة والبطلة فاطمة حسونة، التي تختبر الموت كل يوم داخل قطاع غزة في خضم هجمات الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت عقب السابع من أكتوبر عام 2023.

يستمد الفيلم عنوانه من جملة ترددها حسونة طوال الوقت وكأنها إنذار لاقتراب الموت الذي يخيم على القطاع. تعكس هذه الكلمات مرارة العيش تحت وطأة احتلال لا يرحم وضربات عشوائية لا تفرق بين كبير ورضيع. تحاول حسونة أن تنجو هي وعائلتها كل يوم ولكن بلا ضامن لاستمرار هذه الحياة. نكاد نشتم رائحة الموت في كلماتها كل بضع دقائق وليس ساعات. تستيقظ وتسير واضعةً روحها على كفيها تنتظر الموت في أي لحظة.

على الرغم من معرفتنا المسبقة قبل مشاهدة الفيلم أن روح فاطمة حسونة ارتقت إلى السماء هي وستة من أفراد أسرتها وهم نائمون، إلا أن وقع الخبر في نهاية الفيلم كان صادمًا ومؤثرًا بعد اقترابنا من أحلام وابتسامة هذه الشابة التي لم تنجح أي قذيفة في محوها طوال أحداث الفيلم.

 

805f84a8d5.jpg
Nino

من ظل الموت تبدأ الحياة

أما في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، فنختبر قيمة الحياة وعطايها الثمنية في الفيلم الفرنسي "Nino" في أولى التجارب الطويلة للمخرجة بولين لوك. شارك الفيلم في مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي هذا العام، وحصد بطله ثيودور بيليرين جائزة النجم الصاعد.

أبدع بيليرين في اختيار شخصية نينو كلافيل، شخصية انطوائية وخجولة في أواخر العشرينيات من عمره. يغادره موعد طبي روتيني على ما يبدو ليخبره بإصابته بسرطان الحلق الناجم عن فيروس الورم الحليمي البشري. ونظرًا لعمره، سيبدأ العلاج الكيميائي في غضون ثلاثة أيام، مما يعني أنه لن يكون قادرًا على إنجاب الأطفال، لكنه لا يشعر إلا براحة ضئيلة بأنه على الأقل لن يفقد شعره. لا توجد أي ردة فعل عاطفية حيث يستوعب نينو الخبر بهدوء. يسأل بخنوع: "ما هي احتمالات وفاتي؟" فيأتي الرد: "دعنا نتحدث عن احتمالات النجاة".

يستند الفيلم جزئيًا إلى فقدان لوك أحد أحبائها بسبب السرطان، وهذا يتضح من الإهداء الموجود في نهاية الفيلم. يتتبع العمل نينو الشخصية الرئيسية في عطلة نهاية الأسبوع التي تصادف عيد ميلاده التاسع والعشرين. يُجبره فقدان مفاتيح شقته على قضاء عطلة نهاية الأسبوع في التنقل، مُتنقلًا بين أرجاء باريس غير المألوفة، حيث يذهب لزيارة والدته، ويحضر حفلة عيد ميلاد مفاجئة نظمها صديقه سفيان، ويلتقي صدفة بزميلته القديمة في المدرسة زوي وابنها سولال. يبدو أنه يبحث عن شيء يتمسك به بينما تستمر الحياة اليومية على أي حال. 

تنسج لوك تفاصيل الحياة والموت ببراعة، حيث يحمل نينو تشخيص إصابته بالسرطان وحيدًا، يتجول في الشوارع، ويركب دراجته، ويبدو وكأنه يتقبل عزلته. يبحث خلال تسلسل مشاهد بديع مع أمه عن تفاصيل رحيل والده في سن صغيرة بهذا المرض, متسائلاً عن احتمالات شعوره بالآلم. 

هذه الرحلة المؤثرة التي تستغرق قرابة 3 أيام، يختبر نينو خلالها حياة ربما لم يعشها من قبل. أو بمعنى آخر، تبدأ حياته من لحظة معرفة نتيجة تشخصيه بالسرطان، ما يجعل هذا الشريط تعبيرًا مثاليًا عن كيف سمح ظلّ الموت لنينو بالتواصل مُجدّدًا مع الحياة.

 

763.webp
حادث بسيط

عبثية "حادث بسيط"

لم يختلف الأمر كثيرًا خارج المسابقة الرسمية، فهناك أربعة معتقلين سابقين يحاولون الانتقام ممن سلب حياتهم ووضعها على شفا الموت، بل وجعلها جحيم مطبق يحاولون التعافي منه يوميًا. 

في شريطه الفائز بسعفة كان الذهبية "حادث بسيط" It Was Just An Accident، يحاول المخرج الإيراني جعفر بناهي محاكمة نظام الملالي عبر حكاية بسيطة لكنها عبثية مليئة بالكوميديا السوداء الممزوجة بالمرارة، لا تختلف في عبثها عن اسم مسرحية يأتي على ذكرها داخل أحداث الفيلم وهي "في انتظار جودو" للكاتب صامويل بيكيت. 

يعتبر فيلم "حادث بسيط" مظلمًا بشكل واضح ولكنه في الوقت نفسه لا يتخلى عن نبرته الكوميدية الساخرة، حيث يستكشف التأثيرات المتتالية للعنف الذي تمارسه الدولة ويتساءل عما إذا كان من الممكن منح صكوك الغفران لجلادينا.

خلال الفيلم، نكتشف عالمًا من السجناء الذين تعرضوا للتعذيب في السابق، لكنهم تعلموا أن يعيشوا حياةً عاديةً بعد خروجهم من السجن؛ فقد سُلبوا أجمل سنوات حياتهم لمجرد مطالبتهم برواتبهم الحكومية المتأخرة. استُجوبوا وضُربوا، وقيل لهم إن أحباءهم تخلوا عنهم، ووُضعت حبال المشانق حول أعناقهم لساعات، وهُددوا بالاغتصاب. يقول أحدهم: "أنا زومبي، أنا واحدًا من الموتى الأحياء".

ولكن ما بدأه المخرج من أجواء عبثية مثالية لم يستطع استغلالها والبناء عليها. سرعان ما انجرف الفيلم في ثلثه الأخير إلى خطابة حوارية فجة ما بين السجين والسجان تكشف قسوة الحياة التي يعشونها داخل هذا الجنون المطلق، حيث يسير الجميع على حافة الموت فقط لاستمرار هذا النظام، وكأن هذه البنية الملالية الديكتاتورية تتغذى على أبنائها لكي تحيا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق