قال أبوبكر الديب، مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، إن إعادة إعمار قطاع غزة يحتاج لارادة دولية قوية وصلبة، وليس فقط الأموال أو الوعود بالدعم، كما تحتاج العملية الي نفس دولي طويل لأنها يمكن أن تستغرق 10 سنوات.
وأوضح الديب، في تصريحات لقناة BBC، أن المجتمع الدولي مطالب بأن يضع إطارًا سياسيًا وتنفيذيًا شاملًا لإعادة الإعمار، يشمل التنسيق بين الدول المانحة والمؤسسات الأممية.
وأضاف أن التمويل وحده لا يكفي في ظل التعقيدات السياسية والاقتصادية التي يعيشها القطاع منذ سنوات طويلة.
وأشار إلى أن مفهوم “الإعمار الدولي” الذي يقصده يقوم على تهيئة بيئة إدارية شفافة ومستقلة قبل بدء الإنفاق، بحيث لا تتحول أموال المانحين إلى مجرد أرقام أو مشاريع جزئية دون أثر فعلي على حياة السكان.
وشدّد على أن المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولية أخلاقية وإنسانية في ضمان وصول الموارد إلى مستحقيها، بعيدًا عن التجاذبات السياسية أو الانقسام الداخلي.
وأكد أبوبكر الديب، أن أزمة المياه في قطاع غزة تعد أخطر من آثار الدمار نفسه، مشيرًا إلى أن أكثر من 95% من المياه الجوفية غير صالحة للاستهلاك البشري، وأن إعادة تأهيل الشبكات ومحطات التحلية يجب أن تكون أولوية قصوى ضمن أي خطة إعمار.
وأوضح أن إنشاء محطات جديدة لتحلية مياه البحر، بتمويل عربي ودولي وإشراف أممي، ضرورة لا يمكن تأجيلها، لافتًا إلى أن قطاع غزة يعيش أزمة بيئية وإنسانية خانقة بسبب تلوّث مصادر المياه وندرتها.
وأضاف أن المياه هي "الركيزة الأولى لأي عملية إعمار حقيقية"، وأنه لا يمكن بناء مساكن جديدة أو مناطق صناعية دون توفير المياه الصالحة للشرب والاستخدام.
وأوضح مستشار المركز العربي للدراسات أن تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة قد تتراوح بين 50 و100 مليار دولار، وفقًا لحجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والسكنية والخدمات الأساسية، مشيرًا إلى أن الأرقام الدقيقة قد تختلف تبعًا لطبيعة المشاركة الدولية وسرعة تنفيذ المشروعات.
وأضاف أن هذه التكلفة لا تشمل فقط إعادة بناء المنازل والمنشآت، بل تمتد إلى إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والطرق والمستشفيات والمدارس، إلى جانب إنشاء محطات جديدة لتحلية مياه البحر ومعالجة الصرف الصحي، وهي مشروعات تتطلب تمويلًا ضخمًا وخبرة هندسية وتقنية متقدمة.
وأكد الديب أن الكلفة الحقيقية لإعمار غزة لا تقاس بالأموال وحدها، بل بمدى نجاح المجتمع الدولي في توفير إدارة شفافة ومستدامة للمشروعات، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، داعيًا إلى إشراف أممي وتحالف عربي – دولي لإدارة أموال الإعمار بفاعلية.
وقال الديب إن نظرة المجتمع الدولي لإعمار غزة يجب أن تتحول من فكرة الإغاثة الإنسانية إلى التنمية الاقتصادية المستدامة، داعيًا إلى إنشاء هيئة إعمار دولية مستقلة تضم ممثلين عن السلطة الفلسطينية والدول المانحة والمؤسسات الدولية، لتكون مسؤولة عن التخطيط والرقابة وتنسيق الجهود.
وأضاف أنه من الخطأ النظر إلى الإعمار كعملية مؤقتة مرتبطة بالهدوء الأمني، مؤكدًا أن الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والزراعة يمكن أن يحوّل غزة إلى نموذج اقتصادي صامد بدلًا من بقائها منطقة إغاثة دائمة.
وأوضح أن تمكين السكان اقتصاديًا يقلل من التوترات الاجتماعية والسياسية، ويسهم في استقرار المنطقة بأكملها.
وأشار الديب إلى أن إدخال مواد البناء والمعدات إلى القطاع ما زال يواجه قيودًا معقدة وحصارًا متعدد الأوجه، مما يعرقل جهود الإعمار ويزيد من معاناة السكان.
وقال إن مصر تقوم بدور محوري في تسهيل عبور مواد الإعمار عبر معبر رفح، داعيًا إلى تعزيز التنسيق بين القاهرة والأمم المتحدة والدول المانحة لتسريع العملية.
كما شدّد على أن الانقسام الفلسطيني الداخلي يمثل أحد أكبر التحديات أمام إعادة الإعمار، موضحًا أن غياب التنسيق بين المؤسسات المحلية يعرقل تنفيذ المشاريع ويضعف الثقة لدى الجهات الممولة.
ودعا الفصائل الفلسطينية إلى تجاوز الخلافات وتشكيل جبهة موحّدة تتحدث باسم الشعب الفلسطيني أمام المجتمع الدولي.
واقترح الديب إنشاء تحالف عربي – دولي لإعادة إعمار غزة، تقوده مصر وتشارك فيه السعودية وقطر والإمارات إلى جانب الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة.
وقال إن هذا التحالف يمكنه أن يجمع بين التمويل العربي والخبرة الدولية، ويضمن وجود جهة مركزية للتنسيق والمتابعة، بحيث تكون المشاريع ذات أثر ملموس وسريع.
وأضاف أن هذا التحالف يمكن أن يكون أيضًا مدخلًا لإطلاق مشروع سلام إنساني جديد في المنطقة، يقوم على التعاون الاقتصادي والإنساني بدلًا من المواجهات السياسية والعسكرية، مؤكدًا أن إعادة إعمار غزة هي "قضية أمن واستقرار إقليمي"، وأن تأخيرها قد يؤدي إلى تداعيات إنسانية واقتصادية خطيرة تمتد إلى ما بعد حدود فلسطين.
وأشاد أبوبكر الديب بدور مصر في تسهيل عبور المساعدات ومواد البناء عبر معبر رفح، مؤكدًا أن القاهرة تلعب دورًا محوريًا في تخفيف الأزمة الإنسانية وفي التنسيق مع الأمم المتحدة والدول المانحة لوضع آلية فعالة للإعمار.
وأكد أبوبكر الديب أن مصر تلعب الدور الأبرز في تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لإعادة إعمار غزة، مشيرًا إلى أن القاهرة تبذل مساعٍ مكثفة لعقد مؤتمر دولي شامل لإعادة الإعمار، بمشاركة الأمم المتحدة والدول العربية والاتحاد الأوروبي والمؤسسات المانحة.
وأوضح أن المؤتمر الذي تعمل عليه مصر يهدف إلى توحيد الرؤية بين الدول المانحة وتحديد أولويات الإعمار ومصادر التمويل، ووضع آلية شفافة للإشراف على تنفيذ المشروعات، بما يضمن سرعة الإنجاز وتجنب ازدواجية الجهود أو تضاربها بين الجهات المختلفة.
وأشار الديب إلى أن القاهرة تستند في جهودها إلى خبرتها الطويلة في ملف إعادة الإعمار والمصالحة الفلسطينية، حيث سبق أن قادت مؤتمرات ناجحة في السنوات الماضية، ونجحت في بناء جسور تواصل مع جميع الأطراف المعنية.
وأضاف أن التحرك المصري يعكس التزامًا استراتيجيًا تجاه القضية الفلسطينية، ليس فقط من منطلق إنساني، بل أيضًا انطلاقًا من رؤية أمنية شاملة تعتبر أن استقرار غزة جزء من استقرار المنطقة بأكملها.
وقال إن المؤتمر الذي تسعى مصر لعقده سيكون بمثابة منصة دولية لإطلاق خطة إعمار واقعية، تعتمد على التعاون العربي والدولي، وتمكّن من تحويل التعهدات إلى مشروعات ملموسة على الأرض، مؤكدًا أن القاهرة تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة والدول المانحة لضمان مشاركة أوسع نطاق ممكن في المؤتمر المرتقب.
وأضاف أن نجاح هذا المؤتمر سيكون خطوة مفصلية نحو الانتقال من مرحلة الإغاثة إلى مرحلة البناء والتنمية، مشيدًا بالدور الذي تلعبه القيادة المصرية في جمع الأطراف الدولية والإقليمية على هدف واحد، هو إنقاذ غزة وإعادة الحياة إليها.
وشدد أبوبكر الديب تصريحاته بالتأكيد على أن الإعمار الناجح لغزة يجب أن يبدأ بخطة علمية واضحة المراحل، تبدأ من البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم، ثم تنتقل إلى إعادة بناء المساكن والمناطق الاقتصادية.
ودعا إلى إشراك الكفاءات الفلسطينية المحلية في التنفيذ، لتكون عملية الإعمار فرصة لبناء قدرات بشرية جديدة داخل القطاع، وليس مجرد ضخ أموال من الخارج.
وأكد أن غزة تحتاج إلى إعادة حياة لا مجرد إعادة بناء، وأن العالم أمام مسؤولية تاريخية في إنقاذ أكثر من مليوني إنسان يعيشون في ظروف غير إنسانية، مشددًا على أن "الوقت لم يعد يحتمل التأجيل، وأن إعادة الإعمار أصبحت ضرورة سياسية وإنسانية وأمنية في آن واحد".
ودعا الديب إلى التحول من نهج الإغاثة المؤقتة إلى التنمية المستدامة، عبر إنشاء مشروعات إنتاجية توفر فرص عمل حقيقية وتقلل الاعتماد على المساعدات، مثل مشروعات الزراعة الحديثة والطاقة المتجددة والصناعات الصغيرة.
وأكد أن إعمار غزة يجب أن يكون مشروعًا للتنمية وإعادة الأمل، وليس مجرد ترميم لما دمرته الحرب، مشيرًا إلى أن الاستثمار في الإنسان والبنية التحتية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وأضاف أن الانقسام الفلسطيني الداخلي يشكّل عقبة حقيقية أمام أي جهد دولي منظم، داعيًا إلى توحيد الصف الفلسطيني وتشكيل هيئة وطنية موحدة تشرف على التنسيق مع الجهات الدولية لضمان وصول المساعدات بشكل عادل وفعّال.
واختتم أبوبكر الديب تصريحاته بالتأكيد على أن المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية في دعم غزة وإعادة إعمارها، داعيًا إلى وضع خطة تنفيذية محددة المراحل تحت إشراف الأمم المتحدة، لضمان سرعة التنفيذ وفعالية التمويل.
وقال إن “غزة لا تحتاج فقط إلى إعادة بناء بيوت، بل إلى إعادة بناء الحياة”، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني يستحق العيش بكرامة في وطن آمن مستقر، وأن تأخير الإعمار لم يعد خيارًا.
ودعا الديب الدول والكيانات ورجال الأعمال الي الاستثمار في غوة ليتحول الامر من اغاثة ومساعدة الي منفعة متبادلة يكسب المستثمر ويستفيد أهل عزة.
0 تعليق