إيران تعتذر عن الحضور إلى قمة شرم الشيخ حول غزة.. بين الواقعية الدبلوماسية وضغوط التيارات المتشددة

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في خطوةٍ لافتة تعكس توازنات السياسة الإيرانية الداخلية وتعقيدات المشهد الإقليمي، اعتذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن دعوة رسمية من الرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور قمة شرم الشيخ حول غزة، التي يترأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمشاركة قادة عشرين دولة، في محاولة لإنهاء الحرب في غزة وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي، وفق البيان المصري.

ورغم دعوات الإصلاحيين والمعتدلين في طهران إلى اغتنام ما وصفوه بـ"الفرصة التاريخية" للحوار والانفتاح، أصرّ الرئيس بزشكيان على عدم المشاركة، في موقفٍ أكدته تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي خلال اجتماع مجلس الوزراء، إذ أوضح أن إيران «تقدّر دعوة الرئيس السيسي»، لكنها لا تستطيع «الجلوس مع من هاجموا الشعب الإيراني وما زالوا يفرضون العقوبات عليه».

وفي تغريدة على منصة X، قال عراقجي: “بينما نؤمن بالدبلوماسية، لا يمكن للرئيس بزشكيان ولا أنا أن نتحاور مع من يهاجم شعبنا ويواصل تهديده”.

انقسام داخلي في طهران: بين الانفتاح والمبدئية

أثار القرار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية. فقد رأت التيارات الإصلاحية والمعتدلة أن المشاركة كانت فرصة دبلوماسية نادرة لإعادة إيران إلى طاولة التفاوض الإقليمي، بينما اعتبرها المحافظون خيانة للقضية الفلسطينية وتطبيعاً غير مباشر مع العدو الصهيوني.

الصحفيان الإصلاحيان محمد مهاجري ومحمد قوجاني أصدرا بياناً مشتركاً دعوا فيه الرئيس إلى المشاركة، مؤكدين أن ذلك «لن يعني الاعتراف بإسرائيل»، بل يتماشى مع «الاستراتيجية الإيرانية للحوار غير المباشر». وكتبا: "إن كانت فرصة نيويورك خلال اجتماعات الأمم المتحدة قد ضاعت، فلا ينبغي تفويت شرم الشيخ.

أما الدبلوماسي السابق حميد أبوطالبي، مستشار الرئيس الأسبق روحاني، فاعتبر الدعوة الأمريكية «إشارة إيجابية» تدل على «رغبة في العودة إلى الحوار»، محذراً من أن غياب إيران سيُقصيها عن صياغة الترتيبات الجديدة في الشرق الأوسط.

رفض حاد من التيار المحافظ

في المقابل، شنّ المحافظون حملة حادة ضد فكرة المشاركة، الكاتب عبدالله گنجي، رئيس تحرير صحيفة “جوان” التابعة للحرس الثوري سابقاً، وصف دعوات الإصلاحيين بأنها «استعراض جديد من الحالمين السذج»، فيما كتب ناشط محافظ على منصة إكس: “يجب كسر ساق كل من يمثل الحكومة ويريد الذهاب إلى شرم الشيخ!”.

وبحسب هؤلاء، فإن الجلوس على طاولة واحدة يرأسها ترامب يعني “الاعتراف بهزيمة المقاومة الفلسطينية» و«الرضوخ للنظام العالمي الجديد الذي يسعى لتصفية محور المقاومة".

الحسابات الإستراتيجية

مع ذلك، يرى عدد من المحللين أن المشاركة الإيرانية، حتى ولو على مستوى منخفض، كانت ستمنح طهران ورقة ضغط ناعمة وتسمح لها بـ«إعادة تعريف دورها الإقليمي» في مرحلة ما بعد الحرب على غزة.

وكتب الخبير في العلاقات الدولية رضا نصري : "بعد ثلاثين عامًا من استبعاد إيران عن مؤتمر مدريد، كان يمكن أن تكون هذه القمة بداية جديدة".

بينما أشار السفير السابق نصرت‌ الله تاجيك إلى أن الغياب لا يخدم الفلسطينيين، قائلاً: “المشاركة كانت ستُظهر نموذجًا سلوكيًا جديدًا لإيران كقوة ناعمة مؤثرة”.

قراءة في القرار

قرار “بزشكيان” يعكس سعيه للتوازن بين الخطاب البراغماتي الذي وعد به الإصلاحيون، وبين حدود السلطة الفعلية الخاضعة لتوجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يُعتقد أن رأيه الحاسم هو الذي رجّح كفة الاعتذار.

ويكشغ الانقسام الداخلي حول شرم الشيخ عن تحدّي “بزشكيان” الأساسي: كيف يمكن لإيران أن تحافظ على هويتها الثورية في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الانخراط الدبلوماسي لتخفيف العزلة والضغوط الاقتصادية؟

وفي النهاية، يبقى غياب إيران عن قمة شرم الشيخ رمزًا لصراع مستمر داخل النظام بين الواقعية السياسية والمبدئية العقائدية صراعٌ يحدّد شكل علاقاتها الإقليمية ومستقبل حضورها في معادلات الشرق الأوسط الجديد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق