هذه رواية تختلف عن كل الروايات العربية التي ناقشناها أو التي قرأناها من قبل، فبالرغم من أن كاتبتها مصرية عربية ولغتها سواء سردا أو حوارا لغة عربية فصحى منضبطة، فإن أبطالها جميعا ليسوا مصريين ولا عربا، فالبطل الرئيسي امريكي الإقامة برازيلي الأب وأمه أرجنتينية أبواه بالتبني أمريكيان وفرا له كل الإمكانات المادية والمعنوية حتى أصبح طبيبا نفسيا مرموقا، ساعدته زوجته المحامية في ترتيب حياته ليصل إلى ذروة النجاح والشهرة، ولكنه إنسان زهوق نزق متمرد على كل شيء لدرجة أن يهجر حياته بالكلية، زوجته وبيته وعيادته ومرضاه النفسانيين، ثائرا على كل تفصيلة فى حياته بحثا عن الحرية كما يراها وكما ينشدها.
وفاجأتنا المؤلفة بخطته بعد أن شوقتنا إلى معرفة تفاصيلها. حيث تعرف على فتاة مكسيكية على شاكلته من حيث التمرد والثورة على حياتها، وإن اختلفت أسباب كل منهما، وهاجرا معا إلى الغابة واختار كل منهما اسما جديدا له ليعيشا حياة بدائية فى تمثيل لبداية البشرية آدم وحواء، ليكون كل شيء من أفعالها باختيارهما وفقاً لرغبتهما وقوانينهما ظنا منهما أنهما تحررا من المدنية بكل قيودها القانونية والمجتمعية، وبعد رحلة طويلة قدرت بخمس وعشرين سنة، أنجبا خلالها 11 ولدا ذكرا، كل منهم له هواية ومزاج مختلف وأخفى عنهم الأبوان كل ما له صلة بأصلهما أو ما فيهما وعاشوا حياة الغابة بكل معطياتها من سلبيات وإيجابيات وأنشأوا مجتمعا أسموه مدينة نيو مينسو، كبر الأولاد ولم ير أي منهم أنثى إلا أمه فظنوا أن أمهم كائن جاء من عالم آخرفليس لها مثيل، ومن بين أبنائهم من كان يتطلع إلى السماء يهفو إلى أن يطير ويرى الدنيا من أعلى، و تتحقق رغبته عندما يري طائرة تحلق فوق الغابة فيلفت نظر من فيها فتهبط ليستقلها لتحمله إلى أمريكا ليعيش وتعرف على حياة غريبة عنه في اللغة والمأكل والملبس ومفردات الحياة ليصبح همزة الوصل بين أمريكا وأسرته في نيومينسو، لتعيدهم الطائرة مرة أخرى إلى نيويورك ويودعوا نيو مينسو .
استطاعت الروائية فاطمة المرسي أن تزيد متعتنا وتشويقنا سرديا بإدخال عناصر لحكايات قصيرة جانبية تناولت قصص بعض المرضى النفسانيين الذين كان يعالجهم البطل الرئيسى، حيث كان يحكى لزوجته المكسيكية عما دار بينه وبينهم في العيادة من حكي لمشكلاتهم، منها حكاية مساعدته الألمانية التی فرت مع أمها إلى أمريكا هروبا من البطش بعد الحرب العالمية الثانية واعتقال أبيها لصداقتة لأحد أعضاء الحزب النازي.
إضافة إلى قصص أخرى تدور جميعا حول حرية الإنسان في كل مكان من العالم على مختلف الجنسيات.
وتستكمل الأحداث بالمفارقات التى حدثت بعد العودة إلى نيو يورك حيث تغيرت أشياء كثيرة فى نيويورك بعد نسف البرجين فأصبح كالغريب أو المريض بالزهايمر.
فلا هو حقق حريته فى الغابة كما كان يريد، ولا هو أنشأ مجتمعا حرا كما كان يخطط، فقد كان مهيمنا بسلطتة الأبوية ليكبح رغبات أبنائه ويخفي عنهم حقيقته، ولا هو عندما عاد إلى نيويورك رجع إلى ذاته الأولى، حيث تغيرت الأمور كثيرا نتيجة الزمن فقد طلقت زوجته وتزوجت صديقه ومات والداه بالتبني، ورحلت أمه التي لم يتعاطف معها ولم يعاملها يوما كأم، وفي الوقت نفسه لم يتأقلم أبناؤه مع الحياة الجديدة إذ كانوا يرون أن حياة الغاية أكثر رحابه وحرية فى الملبس و المأكل والانطلاق.
أما زوجته المكسيكية فلم تحسم الرواية ما آلت إليه الأمور فى أسرتها الثرية ومصير أختها غير الشرعية التى تعاطفت معها، لتترك الرواية مفتوحة بلا نهاية محددة قاطعة. ليتخيل القارئ كيف ستسير بهم الحياة الجديدة خصوصا بعد تصادمهم مع القوانين المجتمعية سواء فيما يخص الأوراق الثبوتية أو نسبة الأولاد لهما.
فالرواية طرحت عن طريق التجربة بعض الأسئلة.
فهل الحرية أن يختار كل إنسان اسمه فيظل بلا اسم حتى يكبر ويعقل وينطق ويصبح قادرا على اختيار اسمه؟ ألا يعد الاسم المؤقت وهو ترتيبة فى العائلة تسمية خارجة عن إرادته أيضا وهل الحرية أن يعيش الإنسان وحده بلا أهل ولا جيران ولا زملاء ولا عمل ولا علاقات اجتماعية حتى يضمن اختيار النمط الاجتماعي الذي يريده.
جاء السرد عن طريق الراوي العليم مما جعل هناك رؤية أوسع للشخصيات والأحداث، باختلاف في الأماكن والأزمنة بصورة محايدة.
أما عن الزمن فهو زمن بسيط متنام دون العودة والارتداد إلى الماضي بالفلاش باك إلا قليلا.
الأماكن متعددة بين نيويورك وأماكنها المختلفة بين المكسيك والغابة.
الشخصيات الأساسية الطبيب النفسي وزوجته وزوجته المكسيكية والشخصيات المساعده الأولاد والزوجه الأولى وصديقه والوالدان بالتبني والأم الحقيقية والمرضى النفسيون.
فى النهاية نحن أمام رواية افتراضية خيالية إنسانية لا تخص دولة دون دولة، ولكنها تعبير عن الإنسان بين بيئة مدنية متحضرة ولكنها فرضت عليه فروضها، وبيئة غاباوية بدائية اختارها ليحقق فيها مجتمعة وحياته التى يختار كل مفرداتها لغة وأسماء وسلوكا وعلاقات لتطرح لنا فكرة (ماذا يريد الإنسان فى هذه الحياة) وما مفهوم الحرية التى ينشدها وهل حققها أم ستظل سرابا؟















0 تعليق