سلطت صحيفة "الجارديان" البريطانية، الضوء على معاناة سكان مخيمات اللاجئين على ساحل جنوب غزة، حيث يعيش مئات الآلاف من النازحين في ظروف تنذر بمأساة إنسانية قاسية مع دخول الشتاء واستمرار نقص الغذاء والمأوى.
وتحت عنوان "انظروا إلينا بعين الرحمة": النازحون الفلسطينيون يخشون حلول شتاء قارس"، قالت الصحيفة في تقرير لها، إن سكان المخيمات يخشون المرض والبرد والجوع وسط عجز كامل عن مواجهة العواصف العاتية التي ضربت القطاع مؤخرًا، مستشهدة بوضع صباح البريم 62 عامًا، التي كانت تجلس مع ابنتها وأحفادها داخل مأوى بدائي من القماش المشمع والخشب حين اجتاحت الرياح والأمطار الغزيرة المنطقة الأسبوع الماضي، لتنهار خيمتهم أكثر من مرة وتغرق ممتلكاتهم القليلة.
وذكرت "الجارديان" أن نحو نصف مليون فلسطيني في منطقة المواصي يستعدون لشتاء قارس سيكون الثالث لبعضهم منذ نزوحهم، بينما تكشف العاصفة الأخيرة أن أكثر من مليوني فلسطيني رغم نجاتهم من عامين من الحرب ما زالوا في قلب أزمة إنسانية خانقة.
نقص المأوى وتصاعد الأزمة الإنسانية
وأكدت الصحيفة، أن المأوى يأتي في صدارة الاحتياجات الطارئة، حيث دمرت غالبية منازل غزة أو باتت غير صالحة للسكن، فيما يقع جزء كبير منها شرق "الخط الأصفر" الذي يفصل بين مناطق السيطرة العسكرية الإسرائيلية ومناطق سيطرة حماس.
وفي مشاهد وصفتها الصحيفة بالمروعة، كان الأطفال يخوضون في برك موحلة حفاة الأقدام، بينما تحاول النساء إعداد الشاي تحت سماء ملبدة بالغيوم، ولجأ البعض إلى بنايات مدمرة رغم خطر انهيارها.
أما الغذاء، فهو الهاجس الثاني لسكان المواصي، ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نص على دخول "مساعدات كاملة" لغزة، إلا أن الكميات المتاحة، بحسب السكان ووكالات الإغاثة، لا تزال بعيدة عن سد الاحتياجات الأساسية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في منظمة إغاثية دولية قوله: "هل الوضع أفضل؟ نعم... لم يعد الناس يتضورون جوعًا. هل يكفي؟ قطعًا لا. لدينا 10 آلاف خيمة جاهزة يوميًا للتوزيع ولا نستطيع إدخالها بسبب العقبات الإسرائيلية."
شح الغذاء وقيود دخول المساعدات
وأشارت "الجارديان" إلى أن دولة الاحتلال لم تسمح بعد بفتح معبر رفح، بينما تعبر المساعدات بشكل أساسي عبر معابر إسرائيلية أصغر أو على يد شركات خاصة وجهات مانحة، في وقت تشكو فيه مؤسسات الأمم المتحدة من إجراءات بيروقراطية معقدة تعيق عملها، فضلًا عن منع إدخال مواد أساسية مثل أعمدة الخيام بدعوى الاستخدام العسكري المحتمل.
في المقابل، ينفي مكتب "كوغات" الإسرائيلي وجود قيود واسعة، مؤكدًا تسهيل إدخال نحو 140 ألف قطعة قماش مشمع، رغم أن عشرات آلاف الخيام المتاحة صممت أصلًا للاستخدام الصيفي، لا لمواجهة الشتاء القارس.
ونقلت الصحيفة شهادات مؤلمة من سكان القطاع، بينهم ماهر أبو جراد (29 عامًا) الذي قال إن عائلته تعيش على المعلبات ووجبة يقدمها مطبخ مجتمعي مرة كل ثلاثة أيام، بينما يواجهون صعوبات يومية في الحصول على الماء والغاز والدواء.
شتاء ثالث بلا بنية تحتية ولا خدمات أساسية
كما حذر عامل الرعاية الصحية محمد مدهون من غياب البنية التحتية الأساسية، ما يؤدي إلى تجمع المياه حول الخيام وتفاقم مشاكل الصرف الصحي وانتشار الأمراض.
وبحسب الجارديان، فقد خلفت العاصفة خيامًا ممزقة ومبعثرة، وغمرت مياه البحر العديد منها على شاطئ المواصي. وقالت نعمة عرفات إنها كانت تعيش حياة بسيطة لكنها دافئة قبل الحرب، أما اليوم فـ"لا بطانيات، ولا فراش، ولا نار للطهي".
وتحت مظلة اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخلت مرحلته الأولى مراحلها الأخيرة ويشمل انسحابًا جزئيًا وإعادة المحتجزين، تبقى المرحلة التالية أكثر تعقيدًا، حيث تنص على تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية وإرسال قوة دولية لتثبيت الاستقرار، بينما يظل السؤال المفتوح، بحسب الصحيفة هو كيفية نزع سلاح حماس أو إمكانية حدوث ذلك.
ونوهت الجارديان إلى أن الحرب الإسرائيلية خلفت أكثر من 69 ألف شهيد فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وأن جزءًا كبيرًا من القطاع تحول إلى أنقاض، بينما يستقبل سكان غزة شتاء جديدًا بلا أبسط مقومات الحياة، في انتظار رحمة العالم ومعونة لا تأتي سريعًا بما يكفي.












0 تعليق