أعادت الجراحة الدقيقة التي أُجريت مؤخرًا في إسكتلندا لعلاج السكتة الدماغية باستخدام إنسان آلي، النقاشَ حول مستقبل الجراحات الروبوتية ودورها المتنامي داخل غرف العمليات حول العالم،
وكشف الدكتور محمد سمير الملا، استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، في تصريحات للدستور، عن تفاصيل نجاح العملية التي أشرف عليها الجراح الأمريكي ريكاردو هانيل، مؤكدًا أن الحدث لفت الأنظار عالميًا، لكنه لا يمثل قفزة مفاجئة بقدر ما يعكس مسارًا بدأ فعليًا منذ سنوات.
وقال الملا إن الجراحة الروبوتية أصبحت جزءًا من الممارسات الطبية المتقدمة في العديد من الدول، مشيرًا إلى أن مصر ليست بعيدة عن هذا التطور، إذ تستخدم بعض مستشفياتها الجامعية والخاصة أنظمة روبوتية في جراحات متخصصة، بينها جراحات العمود الفقري والمسالك البولية وأورام الرأس والعنق.
الروبوت لا يعمل وحده… ويد الجراح تظل الأساس
فنّد الملا الاعتقاد الشائع بأن الروبوت قد يعمل بصورة مستقلة داخل غرفة العمليات، مشددًا على أن هذه الصورة «غير صحيحة على الإطلاق».
وأوضح أن الروبوت الجراحي يعمل تحت سيطرة كاملة من الطبيب، الذي يوجهه عبر وحدة تحكم ويُشرف على كل خطوة أثناء العملية، قائلًا:«الروبوت لا يتحرك بمفرده… أنت من يضبط الإعدادات، ويوجّه الذراع، ويراقب التفاصيل لحظة بلحظة».
كما أكد أن وجود الجراح على رأس العملية يظل أمرًا لا يمكن تجاوزه، لأن الواقع داخل غرفة العمليات يحمل متغيرات قد تطرأ في لحظة—نزيف مفاجئ، تغيّر في أنسجة المخ، أو اختلاف في مسار الأوعية—وهي مواقف تستدعي قدرة بشرية على اتخاذ قرار سريع ودقيق لإنقاذ حياة المريض، وهو ما لا يستطيع أي روبوت التعامل معه بالمرونة المطلوبة.
مزايا الجراحة الروبوتية… دقة أعلى وتقليل للمضاعفات
ورغم ذلك، يعترف الملا بأن الروبوت أصبح عنصرًا مهمًا في دعم الجراح، خاصة في العمليات المعقدة التي تتطلب دقة بالغة؛ فالروبوت يتيح رؤية ثلاثية الأبعاد مكبّرة داخل المناطق شديدة الحساسية، ويسهم في تقليل نسبة الخطأ البشري عند تركيب الشرائح والمسامير الدقيقة، كما يمكّن الجراح من تنفيذ خطوات معقدة بنفس مستوى الجودة دون أن يتأثر بالإجهاد خلال ساعات العملية الطويلة.
وما يميّز هذه التقنية أيضًا قدرتها على تقليل حجم الشقوق الجراحية، الأمر الذي يساعد المرضى على التعافي.ي بسرعة ويحدّ من المضاعفات المحتملة. وتؤكد هذه المزايا أن الروبوت يمثل أداة مساعدة عالية الفاعلية، لكنه يظل جزءًا من منظومة يتحكم فيها الجراح ولا يمكنه اتخاذ القرار أو تعديل مسار العملية بمفرده.
السكتة الدماغية… سباق مع الزمن لا يكسبه الروبوت وحده
وفيما يتعلق بالعملية التي أُجريت في إسكتلندا، شدد الملا على أن العامل الحاسم في نجاحها لم يكن الروبوت نفسه، بل وصول المريض خلال الفترة الزمنية الحرجة، وأوضح أن النافذة التي يمكن خلالها إنقاذ المصاب تتراوح بين أربع وست ساعات فقط من بدء السكتة الدماغية، مؤكدًا أنه إذا وصل المريض بعد يوم أو يومين من حدوث الجلطة، فلن يتمكن لا الروبوت ولا الجراح من إعادة الجزء المتضرر إلى حالته الطبيعية، لأن الخلايا العصبية تكون قد تعرضت لضرر بالغ لا يمكن عكسه.
وبعد تجاوز هذه الفترة، يصبح العلاج مقتصرًا على الأدوية وإعادة التأهيل، بينما تفقد الجراحة قدرتها على تحقيق أي فارق مهما كانت التكنولوجيا المستخدمة.
مستقبل الروبوت في مصر… شراكة لا منافسة
تشير المؤشرات إلى أن مصر تمضي بثبات نحو توسيع نطاق استخدام الروبوت الجراحي، مع تزايد برامج التدريب واهتمام المستشفيات الجامعية بتطوير بنيتها التكنولوجية. لكن هذا التوسع لا يعني أن الروبوت سيحل محل الجراح، بل على العكس: كل التجارب تؤكد أن المستقبل يقوم على الشراكة بين الإنسان والآلة، حيث يوفر الروبوت الدقة، بينما يوفر الطبيب الخبرة والقدرة على اتخاذ القرار.
وحسب عدد من الأطباء فنجاح الجراحة الروبوتية في إسكتلندا يعكس تقدمًا مهمًا في عالم الطب، لكنه لا يحمل في طياته نهاية لدور الجراح البشر،. فالتكنولوجيا تتطور بسرعة، نعم، لكنها تعمل في النهاية تحت إشراف الطبيب الذي يظل صاحب القرار والقدرة على إنقاذ حياة المريض.
وفي مصر، تتطور التجربة بوتيرة مدروسة، ما يفتح الباب أمام مستقبل تتكامل فيه التقنيات الحديثة مع الخبرات الطبية، دون أن يلغي أحدهما الآخر.















0 تعليق