الجمعة 14/نوفمبر/2025 - 06:51 م 11/14/2025 6:51:14 PM
وقع مؤخرًا الرئيس عبدالفتاح السيسى على قانون الإجراءات الجنائية بعد التعديلات الجديدة التى أقرها مجلس النواب، بهدف تحقيق عدالة ناجزة وحماية أوسع للحقوق.
وتعد التعديلات من أهم وأشمل التحركات التشريعية فى المشهد القانونى الراهن، حيث استهدفت إحداث نقلة نوعية فى منظومة العدالة الجنائية، والارتقاء بها لتواكب أحدث المعايير الدولية المتعلقة بسرعة التقاضى، وضمانات المحاكمة العادلة، وحماية حقوق وحريات المواطنين، بما يتسق مع التطورات الدستورية والاجتماعية التى شهدتها البلاد، لا سيما بعد إقرار دستور ٢٠١٤ الذى عزز من مبادئ دولة القانون.
وتأتى هذه التعديلات استجابة لرؤية الرئيس السيسى بضرورة معالجة البطء الشديد فى إجراءات التقاضى، وتفادى تراكم القضايا، وتقليص فترة الحبس الاحتياطى، وتعزيز دور النيابة العامة والقضاء فى ضمان حماية حقوق المتهم والضحية على حد سواء. واتسمت التعديلات التى خضعت لنقاش مجتمعى وقانونى واسع بالشمولية لكونها تطال مراحل الدعوى الجنائية كافة، بدءًا من الاستدلال والتحقيق، ووصولًا إلى المحاكمة والتنفيذ. وتستهدف بشكل أساسى تحقيق مبدأ العدالة الناجزة، ويبرز فى صدارة التعديلات محور الحبس الاحتياطى، وهو ملف شائك طالما أثار الجدل، حيث تم وضع قيود وضوابط أكثر صرامة على فترات الحبس الاحتياطى وتمديدها، لجعله استثناء وليس قاعدة، مع تحديد مدة قصوى لا يمكن تجاوزها حتى فى الجنايات الخطيرة، وتوسيع نطاق البدائل غير الاحتجازية للحبس، مثل الإفراج بكفالة أو الإقامة الجبرية أو المراقبة الإلكترونية عبر أجهزة التتبع، وذلك لتقليل الأثر السلبى للحبس الاحتياطى على الحرية الشخصية للمتهم الذى لم تثبت إدانته بعد، مع تفعيل دور القاضى الجزئى فى مراجعة أوامر التجديد وتفعيل قاعدة «جواز الطعن» على قرارات حبس المتهم.
وركزت التعديلات أيضًا على رقمنة الإجراءات الجنائية وتوسيع نطاق استخدام التقنيات الحديثة، مثل المحاكمات عن بعد، والتحقيق الإلكترونى، وتفعيل نظام الإخطارات والعلانية الرقمية، بهدف تبسيط الإجراءات وتسريعها وتقليل الحاجة لنقل المتهمين وحضورهم الشخصى فى بعض الإجراءات غير الجوهرية. وهو ما يسرع من وتيرة سير الدعاوى ويخفف العبء على الجهات القضائية والأمنية.
ويعد تعزيز ضمانات المتهم وحقه فى الدفاع من الركائز الأساسية للتعديلات، حيث اتجهت نحو تكريس حق المتهم فى الاستعانة بمحام منذ اللحظات الأولى للقبض عليه أو استدعائه للتحقيق، وضمان فاعلية هذا الحضور، وإلزام الجهات الضبطية والقضائية بتوثيق الإجراءات بشكل دقيق، وتفصيل الضوابط المتعلقة بتفتيش الأشخاص والمنازل والمراسلات لتتوافق بدقة مع النصوص الدستورية. كما تشدد التعديلات على حماية الشهود والمبلغين والضحايا، عبر توفير آليات لحمايتهم من التهديد أو الانتقام، وتمكين الضحايا من ممارسة حقوقهم فى المطالبة بالتعويض المدنى بشكل أيسر وأسرع داخل المحكمة الجنائية ذاتها، مع إدخال تعديلات جوهرية على نظام الطعن على الأحكام، بهدف تسريع البت فى الطعون أمام محكمة النقض، من خلال استحداث دوائر متخصصة، وتبسيط إجراءات الإحالة، وإعادة النظر فى آلية الفصل فى الموضوع من قبل محكمة النقض مباشرة فى بعض الحالات، بدلًا من إعادة الدعوى للمحاكمة أمام محكمة الإحالة، ما يقطع الطريق أمام دورات التقاضى الطويلة. وفيما يتعلق بالنيابة العامة، تهدف التعديلات إلى تعزيز دورها فى الإشراف على أماكن الاحتجاز، لضمان تطبيق معايير حقوق الإنسان، ومنحها صلاحيات أوسع فى إنهاء بعض الدعاوى الجنائية بالتصالح أو الأمر الجنائى فى الجرائم البسيطة، ما يخفف العبء عن المحاكم، ويسمح لها بالتركيز على الجنايات الخطيرة. ويمثل القانون فى مجمله خطوة استراتيجية نحو إصلاح هيكلى لمنظومة العدالة، تتطلب تضافر جهود المشرع والقاضى والمحامى وكل أطراف المنظومة لتفعيلها، لضمان الانتقال من قانون تقليدى بطىء إلى منظومة إجرائية حديثة تتسم بالسرعة والفاعلية والالتزام الكامل بمبادئ المحاكمة العادلة.















0 تعليق