في ذكرى راهب القصة القصيرة.. محطات في حياة سعيد الكفراوي

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 تحل الذكرى الخامسة لرحيل الكاتب سعيد الكفروي، والذي رحل في مثل هذا اليوم الموافق 14 نوفمبر 2020،  لقب براهب القصة القصيرة. 

 

عالمه القصصي جاء معه من  قريته بكل ما يحمله من تخييل وأسطورة وواقع، أينما حل يصحب قريته، فهي ملازمة له في رحلاته وترحاله، لا ينقطع أبدًا عن القرية وعالمها، وكانت  دافعه للإبداع المتدفق، كانت المحرض الأول في طرح أسئلته عن الدنيا، والوجود.. الحياة والموت، يسردها عبر حكاياته بيننا، وكأنه يكتبها الآن، مستدعيا طفولته، ومراهقته، وشبابه، وأجواء ما عرف بـ«شلة المحلة» البديعة" "جابر عصفور، جار النبي الحلو_  محمد المنسي قنديل، فريد أبو سعدة،  نصر حامد أبوزيد، محمد المخزنجي".

 

عن طفولته يقول الكفراوي «ذلك الطفل حمل إسمي، جاء إلى الدنيا بعد حشد من أطفال «صبيان وبنات»، موتى بفعل القدر والحاجة، لذلك عندما شرفت أنا للدنيا أطلقوا عليّ «ابن موت»، وغيرت أمى عتبة الدار، وأسكنوها في دار غريب، على اعتبار أن دارنا ملعونة، زيادة في الحرص على عمري، حتى لا يخطفه الموت، ألبسونى ثوب بنت اتقاءً للحسد وأطلقوا عليّ اسم «سعيدة".

3e7ce30567.jpg

هى القرية القديمة إذًا، مكان الميلاد والرحيل، المكان الذي أمضى عمره يفتش فيه، تلك المنطقة الغامضة، باحثًا عن معنى، وكلما كبر الغلام، تجسدت عوالمه عبر خيال قروي، مكتسبًا خبرة الحكى، ومعرفة المأثور.

وكانت الطفولة  بالنسبة للكفراوي هي بداية البحث عن إجابات، ومعرفة الغامض عبر بشر يمارسون حياتهم بلغة سرية، والحديث في الليل مع القمر باسم الله مع أهل الأرض السفليين وصوت الغناء يشبه "العديد"، وعوالم تتكون وتُكون وعي الغلام، قصصًا وحكايات حتى يقرأ بعد حين لمن كتب، "أي طفل لا يكون شيئا بذاته"، والسير في الدروب حتى "كُتاب" مولانا الشيخ محفظ القرآن، ويكون اللقاء الأول مع حروف الهجاء، وحلاوة الترتيل، وقناديل من ضوء تُنير أول الأحلام.

سعى الكفراوى فى وقت مبكر إلى التعرف على أقرانه من جيله.. هؤلاء المحمومين بالكتابة والقص هؤلاء المشغولين بطرح السؤال كان جابر عصفور ومحمد المنسي قنديل ونصر حامد أبوزيد وجار النبي الحلو هم شباب المحلة المفتونون بالأسئلة في الأدب والفكر وسرعان ما انتقلوا إلى القاهرة، لتكبر دائرة المعارف والأصدقاء. كانت جلساتهم بمقهى ريش فى ذلك الوقت، حول الأديب الكبير نجيب محفوظ، ومعهم جمال الغيطانى، إبراهيم أصلان، يحيي الطاهر عبدالله، والشعراء محمد عفيفي، عبدالرحمن الأبنودي، أمل دنقل وغيرهم.

يقول الكفراوى: التحقت بالحلقة، وانتسبت لهذا الجيل، الذي فتح عيني على وعود الحلم القومي، الذي صدمته الهزيمة المروعة، فأعلن هذا الجيل تمرده على من صنعوا الهزيمة.

141391e6ac.jpg

في حوار سابق لنا معه أجاب عن سؤال ما الذي يعنيه الأدب لديك، هل هو مواجهة ودفاع عن أهوال الحياة والموت؟، كما تعرف أن الأدب نشاط فردي، اختراق للثابت والقديم، يسعى دائمًا لطرح السؤال ولايسعى للحصول على إجابة، فضاء يسع رؤية الكاتب ويهاجم من خلاله المستحيل، عرفه يومًا "جان جينيه" بأنه "الملاذ الأخير لمن خان"، اخترت هذا الطريق من البداية لأعيش بحرية، ومن خلاله أحقق شغفي بالحقائق القديمة التي ماتزال صالحة لإثارة الدهشة. وآخر العمر تعلمت أن صوت الأدب في نهاية الأمر هو الذي نواجه من خلاله أهوال الحياة والموت.

94eb98f734.jpg

وعن واقع الكتابة لديه قال: "انشغلت فيما كتبته من قصص، بتلك المنطقة الغامضة من الواقع المصري، وتعاملت معها بالطريقة التي تربيت بها، ونشأت عليها بالحكي وإرث الطفولة، ومحاولتي فهم الغامض، والشغف بالمقدر والمكتوب.عالمي يشبهني ولا حاجة لي باستعارة عوالم آخرين.

070597361a.jpg

قال عنه رفيق دربه الشاعر عبد المنعم رمضان: “لسعيد الكفراوي هيئة دالة عليه وحده، رغم شيوعها لدى كثيرين، هيئة الريفي النازح إلى المدينة اضطرارا وشغفا، الريفي النازح لتوه، والنازح منذ عقود تزيد على الثلاثة، والراغب في تحويل ناس كل المدن التي يدخلها إلي ناس ريف، متعارفين، وذوي ألسنة فصيحة فصاحة أهله، وذوي قلوب عامرة مثل قلوبهم، وذوي عادات وتقاليد لا تشبه سوى ملامحهم، حتى أسفاره إلى أكثر من بلد لم تكن أسفار الغريب، ما دام سيبحث عن العادات والتقاليد والأمثال والمرويات التي تشبه ما ظل يحرسه طوال عمره”.

49e38b6538.jpg

ر حل الكفراوي تاركا وراءه إرث لا  يمحى من الكتابة الطازجة الحافلة بطقوس وعادات وتقاليد القرية المصرية، بل بخيالاتها وخرافاتها وأساطيرها، وذلك لأنه كتب عن هؤلاء الذين لا تنفذ أمانيهم الباحثين عن عدل مفتقد، أهل الهامش الذين يتجاورون مع الآخر والبعيد والذي لم يأت بعد، الدراويش والهائمون على وجوههم، والسذج والحمقى، وأبناء الموت.. كتب عنهم الكفراوي 12 كتابا تزخر بالشخصيات والأجواء والمصائر، واللغة هنا هي سقف العالم. من المجموعات " مدينة الموت الجميل، سدرة المنتهى، مجرى العيون، بيت للعابرين كشك الموسيقى وغيها، .ترجمت أعماله لأكثر من لغة، ومؤخرا منحته الدولة جائزتها التقديرية.

وحصد الأديب سعيد الكفراوي على جائزة السلطان قابوس بن سعيد للقصة القصيرة عن مجموعته القصصية "البغدادية"، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب "مصر، 2016" لإبداعه القصصي الفريد.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق