Advertisement
ولا شك أن الزيارة تعزز الدور التركي كوسيط بين دمشق وواشنطن، وتفتح الباب أمام استثمارات خليجية محتملة، خصوصاً من السعودية والإمارات، في حال استقرار الأوضاع الداخلية وظهور مؤشرات جدية على الإصلاح الاقتصادي. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تركيا تعد الحليف الأول للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فيما تسعى دمشق إلى تحقيق توازن دقيق بين تركيا والخليج وواشنطن دون الانجرار إلى تطبيع سريع مع إسرائيل.
ويبدو أن التطبيع مع إسرائيل ليس مطروحاً في المدى القريب. فقد أكد الشرع، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، أن المحادثات المباشرة مستحيلة حالياً، لكنه لم يرفض فكرة الوساطة الأميركية مستقبلاً، مشترطاً ضمانات أمنية حقيقية تمنع تكرار التهديدات الإقليمية، مع الحفاظ على الخطاب الوطني الذي يحظى بتأييد الشارع السوري الذي عانى طويلاً من الحرب والعقوبات.وفي المقابل، شددت مصادر أميركية على أن الشرع متمسك بالتفاوض مع إسرائيل لتحقيق اتفاقات أمنية، من دون أن يؤدي ذلك إلى تطبيع سياسي، فيما يبدي اطمئناناً كبيراً لسياسة ترامب تجاه سوريا الموحدة، الأمر الذي من شأنه أن يقطع الطريق على محاولات إسرائيل الدفع نحو تقسيمها.
في أرض أنهكتها الحرب، تحاول سوريا اليوم إعادة تعريف موقعها في المنطقة. فهي ليست قوة كبرى ولا دولة مستقرة تماماً، لكنها تبقى، بحسب مصادر سورية، نقطة لا يمكن تجاوزها في معادلات الشرق الأوسط. ومع أن دمشق تحتاج إلى عقود لتستعيد دوراً إقليمياً مؤثراً، إلا أنها قادرة أمنياً على المساهمة في منع عودة تنظيم داعش عبر التعاون مع التحالف الدولي والوجود الأميركي المحدود، ما ينعكس إيجاباً على استقرار الحدود مع العراق والأردن. كما أن تعليق قانون قيصر وفتح المعابر قد يتيحان تدفق استثمارات خارجية وتوسيع التجارة مع الجوار، ما قد يجعل سوريا ممراً حيوياً بين الخليج والبحر المتوسط.
لكن الطريق أمام دمشق لا يخلو من التحديات. فـالاقتصاد السوري الذي انكمش بنسبة 80% منذ عام 2011، وفقدت فيه الليرة 99% من قيمتها، يواجه واقعاً معقداً لا تكفي فيه الإجراءات المؤقتة. إن تعليق العقوبات يمنح الاقتصاد بعض الأوكسجين، إذ يُتوقع أن يجذب استثمارات خليجية محدودة في السنة الأولى، مع إعادة تشغيل مصافي حمص وبانياس ورفع الصادرات الزراعية والنفطية بنسبة تصل إلى 30%، ما قد يساهم في خفض معدلات التضخم خلال الأشهر الأولى. ومع ذلك، تبقى هذه الفرصة، بحسب المصادر السورية، قصيرة الأمد، لأن الاستثناءات المفروضة تقلّص نطاق الحركة الاقتصادية، فيما يظل التعليق مرهوناً بإثبات جدية في مكافحة الفساد وتحسين بيئة العمل. أما معدل الفقر الذي يطال نحو 90% من السكان، وتشتت القوى العاملة، فيشكلان عائقين أساسيين أمام أي تعافٍ سريع. فالتحسن الحقيقي يحتاج إلى سنوات من العمل المؤسسي الجاد، لا إلى أشهر من الانفتاح المؤقت. ولهذا يمكن النظر إلى الخطوة الأميركية على أنها حقنة إنعاش قصيرة المدى تمنح دمشق فرصة لالتقاط الأنفاس لا أكثر.
وعليه، يمكن القول إن زيارة الشرع إلى واشنطن تحمل رمزية سياسية واضحة، لكنها تمثل في الوقت ذاته اختباراً لقدرة الدولة السورية على استثمار هذه اللحظة لإطلاق مسار إصلاحي حقيقي. إنها بداية مسار لا نهاية له، عنوانه الالتزام المتبادل بين واشنطن ودمشق، ونتيجته ستتوقف على ما إذا كانت الوعود ستتحول إلى أفعال، أم ستظل مجرد هدنة مؤقتة في صراع طويل بين الحصار والانفتاح والمصالحة.








0 تعليق