يتواصل الصراع المسلح في السودان للشهر التاسع عشر على التوالي، فيما تتدهور الأوضاع الإنسانية بوتيرة غير مسبوقة، لتنعكس بشكل مباشر على الأطفال الذين يشكلون الشريحة الأكثر هشاشة في بلد يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
اليونيسف: 500 ألف طفل سوداني تلقوا علاجًا من سوء التغذية
وفي أحدث تحذير أممي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف، أن نحو 500 ألف طفل سوداني تلقّوا علاجًا من سوء التغذية الحاد خلال العام الجاري، وسط توقعات بارتفاع الأعداد نتيجة استمرار المعارك واتساع رقعة النزوح وانهيار الخدمات الأساسية.
ووفقًا لوكالة "رويترز" فقد يأتي إعلان يونيسيف وسط تدهور مستمر في الوضع الصحي، إذ تعاني المنشآت الصحية من نقص حاد في الإمدادات الطبية، وتعطل المرافق، وتسريح الكوادر، إلى جانب انعدام الأمن الذي يعوق وصول الفرق الطبية إلى المناطق المتضررة.
ويُعد سوء التغذية من أكثر التهديدات خطورة على حياة الأطفال، خاصة الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، إذ يمثّل كل تأخير في تلقي العلاج خطرًا مباشرًا على حياتهم.
وتفيد المنظمة بأن آلاف الأطفال في مناطق النزاع يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو الشكل الأكثر خطورة، مشيرة إلى أن العلاج رغم توفره نسبيًا – عبر الأغذية العلاجية الجاهزة – يظل بعيد المنال عن الأسر التي تعيش في مناطق محاصرة أو تشهد قتالًا عنيفًا.
وتسببت الحرب في نزوح أكثر من 10 ملايين شخص داخل السودان وخارجه، في أكبر موجة نزوح يشهدها بلد واحد عالميًا اليوم.
ومع توسع حركة النزوح، تتداخل أزمات الجوع وانعدام الأمن الغذائي مع الأمراض وغياب المياه الصحية، ما يضاعف احتمالات إصابة الأطفال بسوء التغذية.
وتؤكد يونيسيف، أن الأطفال يمثلون النسبة الأكبر من النازحين، كما أنهم الأكثر عرضة للموت بسبب الجوع أو الأمراض المرتبطة به، لاسيما في المناطق التي حُرمت من الإمدادات الإنسانية نتيجة استمرار الهجمات على القوافل وتعطل الطرق.
أزمة ممتدة تهدد جيلاً كاملاً
تصف وكالات الإغاثة الوضع بأنه "كارثي" ويهدد مستقبل جيل كامل من الأطفال الذين حُرموا من الغذاء والتعليم والرعاية الصحية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 20 مليون سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم ملايين الأطفال الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الإنسانية.
ومع توقف العديد من برامج التغذية في الولايات الأكثر تضررًا، تتصاعد التحذيرات من حدوث مجاعة فعلية في بعض المناطق، خاصة في دارفور والخرطوم والجزيرة، كما تواجه الأسر صعوبات شديدة في العثور على الغذاء بعد تدمير الأسواق، وانهيار الزراعة، وتعطل سلاسل الإمداد.
ودعت يونيسيف جميع أطراف النزاع إلى وقف القتال فورًا وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع المناطق المتضررة.
وشددت المنظمة على أن تجاهل احتياجات الأطفال في هذه المرحلة سيؤدي إلى "كارثة إنسانية طويلة الأمد ستؤثر على مستقبل السودان لعقود".
كما طالبت بزيادة التمويل المخصص لبرامج التغذية، مؤكدة أن الاستجابة الحالية تعاني من نقص حاد في التمويل، إذ لم تتلق المنظمة سوى جزء بسيط من الموارد المطلوبة لإنقاذ الأرواح.
مع استمرار الحرب وغياب الحلول السياسية، يبقى الأطفال في السودان الضحية الأولى والأخيرة، يعانون الجوع والنزوح والخوف، في وقت يكافح فيه المجتمع الدولي لتأمين الحد الأدنى من المساعدات، وبينما تتوالى التحذيرات الإنسانية، يزداد القلق من أن يتحول سوء التغذية إلى أزمة موت جماعي ما لم يُتخذ تحرك عاجل وحاسم.












0 تعليق