أكد عدد من الحقوقيين أن صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعد إجراء التعديلات عليه، وموافقة مجلس النواب، يعزز من الثقة العامة فى سيادة القانون ويكرّس لبيئة قانونية أكثر إنصافًا، مشيرين إلى أنه يمثل مؤشرًا على الانتقال من مرحلة الإصلاح التشريعى إلى ترسيخ العدالة الإجرائية.
واعتبر المستشار عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن إصدار قانون الإجراءات الجنائية يعكس حرص الدولة المصرية على تعزيز منظومة العدالة، وترسيخ مبادئ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وأوضح شيحة، خلال حديثه لـ«الدستور»، أن مشروع القانون الجديد خضع لحوار مجتمعى واسع وجاد، لم يقتصر فقط على مناقشات البرلمان أو اللجنة الفنية التى درست القانون على مدى ١٤ شهرًا، بل امتد إلى جلسات الحوار الوطنى، التى أولت اهتمامًا كبيرًا بمواد الحبس الاحتياطى والحقوق والحريات العامة.
وقال: «زيادة بدائل الحبس الاحتياطى تيسّر فرص استخدامها من جانب النيابة العامة والقضاء، والتعديلات التى أُدخلت على مشروع القانون تزيد ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، فى ظل تحديد مدة حبس لا تزيد على ثلاثة أشهر ويجب بعدها العرض على النائب العام».
وأشار إلى أهمية تدخل الرئيس السيسى لتعديل بعض مواد القانون، مؤكدًا أن الهدف كان تعزيز الضمانات القانونية لحماية حقوق الإنسان، والاستجابة لمتطلبات التطبيق العملى داخل المحاكم والنيابات، منوهًا إلى أن تأجيل تطبيق القانون لمدة عام يتيح الفرصة لدراسة القانون، وتنسيق التعاون بين مؤسسات الدولة ذات الصلة، لتجهيز البنية التحتية المطلوبة لتطبيقه.
وتابع: «القانون يتماشى مع المتغيرات الدولية الحديثة التى تميل إلى الحد من العقوبات السالبة للحرية، كما يتسق مع دستور ٢٠١٤، الذى نص فى مادته (٩٣) على التزام الدولة بتطبيق الاتفاقيات والمواثيق الدولية التى صدقت عليها مصر فى مجال حقوق الإنسان».
وأكد «شيحة» أن مصر التزمت خلال السنوات الأخيرة بتقديم تقاريرها الدورية إلى الأمم المتحدة فى مواعيدها، بما فى ذلك تقرير المراجعة الدورية الشاملة «UPR»، والتقارير المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، وهو ما انعكس إيجابًا على صورة مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان.
فيما قال وليد فاروق، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، إن تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى على قانون الإجراءات الجنائية الجديد يعد خطوة ذات دلالة تشريعية مهمة فى مسار تطوير منظومة العدالة المصرية، خاصة أن ذلك يأتى فى لحظة دقيقة، تشهد فيها الدولة نقاشًا متجددًا حول مفهوم العدالة الناجزة، وسبل تحقيق التوازن بين مقتضيات الأمن وحقوق الإنسان وبين سرعة الفصل فى القضايا وضمانات المحاكمة العادلة.
وأوضح «فاروق»، لـ«الدستور»: «القانون الجديد لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات التى يشهدها المجال القانونى فى مصر، حيث أصبحت الحاجة ملحّة لتحديث البنية الإجرائية التى ظلت لعقود طويلة مثقلة بالجمود والتقليدية، فالقوانين الإجرائية ليست مجرد أدوات قانونية بل هى العمود الفقرى لأى منظومة عدالة تسعى لأن تكون عادلة وفعالة فى الوقت ذاته».
وأشار إلى أن الأهمية الحقيقية لا تكمن فى صدور القانون بحد ذاته بل فى الإرادة التى دفعته إلى الظهور، وفى الاستعداد لتحويله إلى ممارسة مؤسسية منضبطة تعلى من شأن الكرامة الإنسانية وتحمى حق الدفاع وتضمن علانية المحاكمة وشفافية الإجراءات.
وفى الإطار نفسه، أشار الدكتور شريف عبدالحميد، رئيس مؤسسة مانديلا للحقوق والديمقراطية، إلى أن تصديق الرئيس على قانون الإجراءات الجنائية يعد تطورًا تشريعيًا نوعيًا فى مسار تحديث منظومة العدالة الجنائية فى مصر، ويؤكد التزام الدولة بتطوير بنيتها القانونية بما يتسق مع الدستور والمعايير الدولية ذات الصلة بالحقوق والحريات.
وأوضح «عبدالحميد»، لـ«الدستور»، أن القانون الجديد يمثل نقطة توازن بين متطلبات العدالة الجنائية ومبادئ حقوق الإنسان، إذ يعيد تنظيم العلاقة بين سلطات التحقيق والدفاع، ويضع ضوابط أوضح لاستخدام الحبس الاحتياطى، إلى جانب التوسع فى بدائل العقوبات المقيدة للحرية، بما يعكس توجهًا نحو عدالة أكثر إنسانية وكفاءة.

















0 تعليق