عدو التنمية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الفساد بمختلف صوره وأشكاله يعد عائقًا رئيسيًا أمام التنمية الشاملة والاستقرار الاقتصادى والاجتماعى فى العديد من الدول، ومصر ليست استثناء. وإدراكًا لخطورة هذه الآفة أظهرت مصر الجديدة إصرارًا لا يتزعزع، وعزيمة حقيقية على خوض معركة شاملة ومستدامة لاقتلاع جذور الفساد، بشكل أكثر من رائع، وتحويله من ظاهرة مقلقة إلى استثناء محدود، هذا الإصرار ليس مجرد شعارات، بل هو منظومة عمل متكاملة ترتكز على إرادة سياسية عليا، وإصلاح تشريعى ومؤسسى، وتبنٍ للشفافية والتحول الرقمى.

إن حجر الزاوية فى هذه الحرب الضروس هو الإرادة السياسية الحقيقية التى تتبناها القيادة السياسية المتمثلة فى شخص الرئيس عبدالفتاح السيسى، فمنذ تولى الرئيس مقاليد الحكم، رفع شعار مكافحة الفساد كأولوية وطنية لا تقبل التهاون، وأكد مرارًا أنه لن يقبل بالفاسدين أو الفاشلين مهما كانت مناصبهم ومواقعهم، وأن حق الدولة والمواطنين فوق كل اعتبار. هذا الالتزام تجسد فى نصوص الدستور الذى نصت المادة ٢١٨ منه على أن تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك، وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها بمكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية. هذا النص الدستورى منح العملية برمتها غطاء شرعيًا ووطنيًا ملزمًا، ولم تترك مصر مكافحة الفساد للعشوائية، بل وضعت إطارًا استراتيجيًا واضحًا ومحددًا، تجسد ذلك فى إطلاق «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» على مراحل متعاقبة، بدءًا من المرحلة الأولى ٢٠١٤-٢٠١٨ ثم الثانية، ووصولًا إلى المرحلة الثالثة الحالية ٢٠٢٣-٢٠٣٠. هذه الاستراتيجيات تقوم على محاور رئيسية متكاملة، أبرزها المحور التشريعى الذى يتمثل فى إصدار وتعديل القوانين واللوائح التى تجرم أشكال الفساد المختلفة، وتعزز من مبادئ النزاهة والشفافية، وتضمن تحقيق العدالة الناجزة.

ومن أمثلة ذلك إصدار قوانين تنظيم التعاقدات الحكومية والاستثمار، ومواجهة الكسب غير المشروع.

أما المحور الثانى فيتمثل فى تمكين وتعزيز دور الأجهزة الرقابية والقضائية، وعلى رأسها هيئة الرقابة الإدارية، لتكون قادرة على إنفاذ القانون بشكل فعال ومحايد. وقد شهدت هذه الأجهزة تطويرًا كبيرًا فى قدراتها الفنية والبشرية، مع إطلاق الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد لتدريب الكوادر المحلية والإفريقية.

ولا يقتصر الإصرار على المعاقبة، بل يمتد إلى الوقاية والمنع، ويتجلى ذلك فى رفع مستوى أداء الجهاز الحكومى والإدارى للدولة وتحسين الخدمات الجماهيرية، وإصلاح نظم التعيين والتقييم، وتبسيط الإجراءات لتقليل فرص الاحتكاك المؤدى للرشوة والفساد. 

ويلعب التحول الرقمى والشمول المالى دورًا بالغ الأهمية، حيث يتم تضييق الخناق على الفساد، وقد أدركت الدولة المصرية أن التحول الرقمى هو السلاح الأقوى فى مواجهة الفساد الإدارى والمالى. 

إن رقمنة الخدمات الحكومية والتعاملات المالية تسهم فى الحد من التقدير الشخصى، والاعتماد على النظم الإلكترونية يقلل من تدخل العنصر البشرى فى اتخاذ القرارات، ويضيق الخناق على الرشوة والمحسوبية.

وفى ظل هذه الأمور تم إطلاق منظومات إلكترونية مثل «منظومة إدارة المعلومات المالية الحكومية» لربط جميع الوحدات المالية، ودفع رواتب الموظفين إلكترونيًا، وشمول الضرائب والجمارك بالرقمنة يضمن تتبع كل معاملة مالية وتحديد المسئوليات، وقد أشارت التقارير والمؤشرات الدولية، ومنها مؤشر مدركات الفساد، إلى تحسن ملحوظ فى تقييم مصر نتيجة للجهود الحكومية المبذولة، ما يعكس إدراكًا متزايدًا لدى المواطنين والخبراء بجدية المكافحة.

وتكتمل جهود المكافحة التشريعية والمؤسسية بجهود بناء مجتمع واع ورافض للفساد. ويشمل هذا البعد نشر ثقافة النزاهة، والعمل على خلق مجتمع واع بمخاطر الفساد وقادر على مكافحته، من خلال مبادرات تستهدف الشباب والأطفال، وإدماج مفاهيم النزاهة والأخلاق فى المناهج التعليمية.

وبصفة مصر من أوائل الدول التى صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فإنها تحرص على تعزيز التعاون الدولى والإقليمى الفعال لتبادل الخبرات وملاحقة الأموال المنهوبة وعائدات الجريمة، إن إصرار «مصر الجديدة» على اقتلاع جذور الفساد هو إصرار على بناء دولة حديثة قوية تقوم على القانون والعدالة والشفافية، إنها معركة ليست سهلة، ولكن التقدم الملحوظ فى إصدار التشريعات، وتفعيل الأجهزة الرقابية، وتبنى الحلول الرقمية، وتجفيف منابع الفساد بمحاسبة الجميع دون استثناء، يؤكد أن هذا الإصرار هو ركيزة أساسية لتحقيق رؤية مصر ٢٠٣٠، وإطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية والاستثمارية للبلاد نحو مستقبل أكثر ازدهارًا وعدالة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق