هي سيدة الإغراء الراقية، ونجمة الجاذبية التي لم تفقد بريقها رغم مرور العقود، صاحبة حضور طاغ لا يشبه أحدًا، واسم ارتبط بالعصر الذهبي للسينما المصرية إنها هند رستم، التي لم تكن مجرد ممثلة جميلة، بل حالة فنية خاصة جمعت بين الموهبة والذكاء والتمرد على القوالب الجاهزة.

البدايات والنشأة
ولدت هند رستم في 12 نوفمبر عام 1931 بحي محرم بك في الإسكندرية، لأسرة من أصول تركية شركسية، وكان والدها ضابط شرطة، منذ طفولتها عرفت بحيويتها وشغفها بالفن، وكانت تحلم بالتمثيل رغم رفض عائلتها الشديد، بعد انفصال والديها انتقلت إلى القاهرة مع والدتها، وهناك بدأت أولى خطواتها في طريق الشهرة.
في سن السادسة عشرة، قررت هند دخول عالم السينما، وظهرت ككومبارس في فيلم "أزهار وأشواك" عام 1947، ثم لفتت الأنظار بأدوار صغيرة في أفلام مثل "غزل البنات" و"الستات ما يعرفوش يكدبوا"، حتى اكتشفها المخرج حسن الإمام وقدمها في أدوار أكثر عمقًا.

الانطلاقة نحو النجومية
كانت نقطة التحول في مسيرتها مع المخرج حسن رضا الذي تزوجته لاحقًا، فقد ساعدها على اكتشاف قدراتها الفنية بعيدًا عن الإغراء الجسدي وحده، تألقت في أفلام "باب الحديد" أمام يوسف شاهين، حيث جسدت شخصية "هنومة" بواقعية مذهلة، جعلتها من علامات السينما الواقعية في الخمسينيات، كما تألقت في "شفيقة القبطية"، و"الطريق المسدود"، و"الزوج العازب"، و"الخرساء".
كانت هند رستم صاحبة مدرسة مختلفة في الأداء، إذ دمجت بين الجمال الفاتن والصدق الفني، فاستطاعت أن تقدم الإغراء بشكل راق بعيد عن الابتذال، وأصبحت رمزًا للأنوثة الممزوجة بالقوة والجرأة.

تعاونها مع كبار المخرجين
عملت هند رستم مع كبار المخرجين في تاريخ السينما المصرية، مثل يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، حسن الإمام، كمال الشيخ، وعز الدين ذو الفقار، ووقفت أمام نجوم كبار مثل عمر الشريف، شكري سرحان، فريد الأطرش، رشدي أباظة، وفريد شوقي، كان حضورها أمام الكاميرا يخطف الأنظار دومًا، ونجحت في التنقل بين أدوار الفتاة الشعبية، والمرأة الأرستقراطية، والسيدة الجريئة، والمظلومة الباحثة عن الخلاص.

الاعتزال في أوج المجد
على الرغم من نجاحها الكبير، قررت هند رستم الاعتزال في قمة مجدها عام 1979 بعد فيلمها الأخير "حياتي عذاب"، قائلة في أحد حواراتها: "أفضل أن يذكرني الجمهور في أجمل صورة، على أن يراني ضعيفة أو مكررة"، بعد الاعتزال رفضت العودة رغم الإغراءات المادية الكبيرة، مفضلة حياة الهدوء والاستقرار الأسري بجوار زوجها الطبيب محمد فياض.

التكريم والإرث الفني
نالت هند رستم العديد من الجوائز والتكريمات خلال حياتها وبعد رحيلها، من بينها جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم "الخرساء"، كما كرمت في مهرجانات القاهرة والإسكندرية، وتعد اليوم إحدى أيقونات العصر الذهبي للسينما المصرية، إذ تجاوز رصيدها الفني أكثر من 70 فيلمًا تركت بصمة لا تنسى في الوجدان العربي.

الرحيل والإرث الباقي
رحلت هند رستم في 8 أغسطس عام 2011 عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء الفني والإنساني، ورغم رحيلها، فإن صورتها ما زالت حاضرة في ذاكرة المصريين والعرب، كرمز للجمال الطبيعي، والفن الأصيل، والأنوثة التي لا يبهت بريقها مع الزمن.
لقد كانت هند رستم أسطورة أنثى من زمن جميل، جسدت ببراعة شخصية المرأة المصرية بكل ما فيها من قوة ورقة، فاستحقت أن تبقى حتى اليوم ملكة الإغراء وسيدة الشاشة في العصر الذهبي.














0 تعليق