Advertisement
وبحسب الموقع، "منذ أن كشف العالم عن الأنشطة النووية السرية لإيران قبل أكثر من عقدين من الزمن، اتبعت طهران سياسة مزدوجة: إنكار أي نية لإنتاج أسلحة نووية في حين تعمل على توسيع المرافق والعمليات مع وجود مبرر مدني محدود أو من دون مبرر مدني على الإطلاق. ويشير مصطلح "التعتيم النووي"، المعروف أيضًا بالغموض المتعمد، إلى سياسة الدولة المتمثلة في إخفاء الوضع الحقيقي لقدراتها النووية عمدًا، وفقًا لدراسة بحثية حول الاستراتيجية النووية الإيرانية. وتمتنع الحكومات التي تتبع هذا النهج عن تأكيد أو نفي امتلاك أسلحة نووية، وتحجب معلومات أساسية عن تطويرها أو نشرها أو غرضها الاستراتيجي، والهدف هو الحفاظ على الردع والنفوذ السياسي، مع تأجيل أو تجنب العواقب الدبلوماسية والقانونية والعسكرية المترتبة على الإعلان العلني عن ترسانة نووية".
وتابع الموقع، "قبل هجمات حزيران، أفادت التقارير أن إيران كانت تمتلك أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، والذي لا يتطلب سوى مزيد من التكرير إلى درجة نقاء صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة النووية لصنع عدة رؤوس حربية. وسمح هذا الوضع لطهران بإظهار قوة الردع بالتلميح إلى قدرتها النووية، مع تجنب العواقب المحتملة للتسليح العلني. ورغم أن إيران خضعت لعقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة لمدة تقرب من عقدين من الزمن، فإنها حافظت على دعم الصين وروسيا في العقدين الماضيين وتجنبت العمل العسكري من جانب الولايات المتحدة حتى حزيران 2025".
وأضاف الموقع، "رفض وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في 3 تشرين الثاني، أي احتمال لقبول طهران الشروط الأميركية للتوصل إلى اتفاق جديد، ووصف المطالب الأميركية بإنهاء التخصيب وكبح أنشطة إيران الصاروخية والوكلاء بأنها "غير منطقية وغير عادلة". وفي الوقت عينه، زعم عراقجي أن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب "مدفونة تحت الأنقاض"، وأضاف: "لا ننوي إزالتها حتى تتهيأ الظروف. ليس لدينا أي معلومات عن كمية الـ 400 كيلوغرام التي بقيت ما إذا كانت سليمة أو مدمرة، ولن نعرف ذلك إلا بعد استخراجها". ويرى محسن جليلوند، المحلل المقيم في طهران، أن موقف إيران الغامض من قضية الـ 400 كيلوغرام من اليورانيوم جزء من محاولتها الحفاظ على قوة الردع. ومن خلال التأكيد على أن المواد لا تزال موجودة، على الرغم من عدم إمكانية الوصول إليها، يذكّر عراقجي العالم بأن طهران تحتفظ بإمكانية صنع الأسلحة دون الاعتراف بأي نية نشطة لاستعادتها أو استخدامها".
وبحسب الموقع، "مع ذلك، هناك عوامل عديدة تُقوّض الآن أسس استراتيجية إيران النووية الغامضة، أبرزها الأضرار التي لحقت في حزيران بمنشآت التخصيب وغيرها من المنشآت، التي كانت تُعدّ محوريةً لأبحاث وتطوير الأسلحة. وتشير صور الأقمار الصناعية المستقلة وتقييمات الاستخبارات الغربية إلى أن إسرائيل ضربت ما بين ثمانية إلى اثني عشر موقعاً مرتبطاً بالأسلحة النووية خلال الحملة الجوية. ويقول محللون إن العملية المنسقة شلت مكونات رئيسية من البنية التحتية الإيرانية للتخصيب ودعم الأسلحة، وكشفت عن ثغرات في شبكة دفاعها الجوي. وقد التزمت طهران الصمت بشأن تأثير الهجمات، رغم أنها لم تزعم أن الضربات لم تُلحق أي أضرار".
وتابع الموقع، "تعتمد إعادة بناء قدرة التخصيب على عدد أجهزة الطرد المركزي التي دُمرت أو تضررت. وتشير تقديرات معهد العلوم والأمن الدولي إلى أن 22 ألف جهاز طرد مركزي قد "عُطِّل"، إلا أن تقديرات أخرى تُشير إلى أن العدد الإجمالي لأجهزة الطرد المركزي قبل الغارات الجوية بلغ 18 ألف جهاز. وقدّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الهجمات أن إيران قد تستأنف إنتاج اليورانيوم المخصب "في غضون أشهر"، إلا أن الصعوبة لا تقتصر على تصنيع أجهزة الطرد المركزي، بل تشمل أيضًا إعادة بناء المنشآت المعززة تحت الأرض التي وُضعت فيها".
وأضاف الموقع، "العامل الثاني هو التهديد الوشيك بضربات لاحقة، إذا حاولت إيران استئناف التخصيب أو أبحاث الأسلحة. وقد حذّر بزشكيان نفسه المسؤولين في آب قائلاً: "ألا تريدون الحوار؟ ألا تريدون التفاوض؟ إذن، ماذا تريدون أن تفعلوا.. القتال؟! لقد جاؤوا وضربوا. وإذا أعدنا البناء الآن، فسيأتون ويضربون مرة أخرى". إذا لم توافق طهران على الاتفاق ولم تعمل على إعادة بناء قدرتها النووية، فهل يمكن لهذا الموقف الغامض أن يكسب الوقت الكافي حتى تنتهي ولاية الرئيس دونالد ترامب، كما يأمل المسؤولون، وتتخذ الإدارة الأميركية الجديدة خطا أكثر ليونة؟"
وبحسب الموقع، "هذه الاستراتيجية تنطوي على عيبين. أولاً، لا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني من شلل العقوبات، ورفعها هو السبيل الوحيد أمام النظام لتحقيق انفراج اقتصادي. ثانيًا، قد تُراهن القيادة على تجاوز السخط الداخلي وإدارة شؤون شعب مُعدم ومضطرب حتى عام 2028، لكنها لا تستطيع تجاهل خطر هجوم إسرائيلي آخر. فما دامت طهران تُسلّح حزب الله والحوثيين، فإن أي حادث عنيف ضد إسرائيل قد يُطلق شرارة موجة جديدة من الغارات الجوية. فلم تعد قرارات إيران النووية تُحدد مصيرها وحدها، بل أصبحت سياساتها الإقليمية بنفس القدر من الخطورة. وتسعى طهران إلى الردع النووي بالأساس للحفاظ على حرية عملها في المنطقة، ومواصلة حملتها الأيديولوجية للهيمنة".
ورأى الموقع أنه "بالنسبة لجيران إيران في الخليج العربي وإسرائيل، لم تكن القضية النووية مسألة تقنية معزولة، بل لطالما اعتبروها تهديدًا أمنيًا لا ينفصل عن طموحات طهران التوسعية. وقد أثارت العملية الجوية في حزيران، التي كشفت عن الهشاشة الصادمة للدفاعات العسكرية الإيرانية، جدلاً واسعاً داخل النظام، ويتساءل بعض المطلعين عما إذا كان السعي النووي قد حقق أي فائدة ملموسة. لقد باعت إيران ما قيمته أكثر من تريليون دولار من النفط منذ عام 2005، ومع ذلك فهي تعاني من التضخم بنسبة 50%، وأجور شهرية تبلغ 150 دولاراً، ونقص المياه والكهرباء، وشعور متزايد باليأس، في حين تتقدم دول الخليج العربية وتركيا إلى الأمام. علاوة على ذلك، لم يتآكل الردع النووي الإيراني فحسب، بل تآكلت أيضًا أدواتها غير النووية للترهيب ضد إسرائيل. فمنذ هجوم حماس في تشرين الأول 2023، دأبت إسرائيل على إضعاف حلفاء طهران الإقليميين بشكل ممنهج. فمن سقوط بشار الأسد في سوريا إلى القضاء على قادة حماس وحزب الله، أثبتت إسرائيل أن الجمهورية الإسلامية لا تستطيع الاعتماد على شبكة وكلائها للحفاظ على نفوذها أو ردعها في ظل تهديد الحرب على جبهات متعددة".
وختم الموقع، "السؤال المتبقي هو ما إذا كانت إدارة ترامب قد نقلت إيران عمدا إلى أسفل قائمة أولويات السياسة الخارجية، أم أنها تسمح بهدوء بالوقت للتوصل إلى اتفاق، وهو الاتفاق الذي قد يراه كثيرون في واشنطن والمنطقة استسلاما للشروط الأميركية. في حزيران، أوقف ترامب الحملة الجوية، معلنًا وقف إطلاق النار، وتوقع الكثيرون انهيار النظام الإيراني عند هذه النقطة، واعتبروا قراره طوق نجاة للمرشد الأعلى علي خامنئي. ومع ذلك، لا تزال طهران تُصرّ على تخصيب اليورانيوم، وتطوير الصواريخ، ودعم وكلائها المسلحين، متمسكةً بالركائز عينها التي جلبت لها العزلة والتراجع. لذا، في الحقيقة، ربما لن يكون النظام محظوظا إذا أنهى ترامب وقف إطلاق النار".








0 تعليق