قررت محكمة الاستئناف في باريس، الاثنين، الإفراج عن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي من سجن "لا سانتيه" بعد عشرين يومًا من الحبس الاحتياطي، استجابة لالتماس قدّمه محاموه، مع إخضاعه لرقابة قضائية مشددة.
وتتضمن الشروط المفروضة على ساركوزي منعه من مغادرة الأراضي الفرنسية أو التواصل مع المتهمين الآخرين في القضية، وعلى رأسهم وزير العدل جيرالد دارمانان، الذي أثارت زيارته له في السجن أواخر أكتوبر عاصفة من الانتقادات داخل الأوساط السياسية والقضائية.
"السجن قاسٍ... إنه كابوس"
خلال جلسة النظر في طلب الإفراج التي عُقدت عبر الاتصال المرئي، عبّر ساركوزي عن صدمته من تجربة السجن قائلًا: “السجن قاسٍ… قاسٍ جدًا. أعتقد أنه كذلك لكل سجين، بل أقول إنه مُنهِك”.
وأضاف الرئيس الأسبق: “أريد أن أحيّي موظفي السجون، فقد أظهروا إنسانية استثنائية وجعلوا هذا الكابوس… لأنه كابوس… محتملًا”.
وأشار إلى أنه لم يكن يتخيّل أن يبلغ السبعين ليختبر السجن لأول مرة في حياته.
حكم تاريخي وصدى غير مسبوق
وكان ساركوزي قد أُدين في 25 سبتمبر بالسجن خمس سنوات نافذة مع التنفيذ الفوري، بعد إدانته بتهمة "تشكيل عصابة إجرامية" في قضية تمويل حملته الرئاسية من نظام معمر القذافي.
واعتبرت المحكمة أن ساركوزي كان على علم بسعي مساعديه للحصول على تمويلات سرّية من ليبيا، وهو ما نفاه مرارًا. وقد قدّم فريق دفاعه استئنافًا فوريًا على الحكم.
ويُعدّ هذا السجن سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية، إذ لم يُسجن أي رئيس سابق من قبل، كما أنه الأول من نوعه داخل الاتحاد الأوروبي. وقد برّرت المحكمة قرار الإيداع الفوري بالسجن بـ"خطورة الوقائع الاستثنائية"، فيما اعتبر ساركوزي أن الدافع الحقيقي وراء الحكم هو "الحقد السياسي".
رقابة قضائية ومعايير قانونية صارمة
استندت المحكمة في قرارها الأخير إلى المادة 144 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، التي تنص على أن الحبس الاحتياطي لا يُسمح به إلا إذا كان "الوسيلة الوحيدة" لحماية الأدلة أو منع الضغوط أو تلاعب الشهود أو تفادي الهروب أو تكرار الجريمة.
وأشارت المحكمة إلى أن الإفراج لا يعني إطلاقًا توقع نتيجة محاكمة الاستئناف المقررة مبدئيًا في مارس المقبل.
عزلة مشددة وزيارة مثيرة للجدل
طوال فترة سجنه، وُضع ساركوزي في عزلة تامة داخل "لا سانتيه"، مع تخصيص شرطيين لمراقبته في زنزانة قريبة، وفق ما برّرته وزارة الداخلية بـ"التهديدات الأمنية" و"حساسية وضعه".
لكن الزيارة التي قام بها وزير العدل جيرالد دارمانان له في نهاية أكتوبر، فجّرت أزمة سياسية وقضائية، بعدما اعتبر المدعي العام الأعلى في فرنسا، ريمي هايتز، أنها قد تُعرّض استقلال القضاء للخطر قبيل انطلاق محاكمة الاستئناف.
المتهمون الآخرون... تفاوت في القرارات
من بين المتهمين الآخرين في القضية، تم الإفراج عن المصرفي السابق واهيب ناصر (81 عامًا) تحت رقابة قضائية، بينما أبقت المحكمة على الوسيط ألكسندر دجوهري قيد السجن بعد الحكم عليه بـ ست سنوات وغرامة ثلاثة ملايين يورو، لاعتبارها أن احتمالات هروبه ما تزال مرتفعة، وأنه يشكل خطرًا على الشهود، خصوصًا بشير صالح، مدير مكتب القذافي السابق والمطلوب للقضاء الفرنسي.
بهذا القرار، يخرج ساركوزي من زنزانته الصغيرة إلى إقامة "مفتوحة" مشروطة، بينما تبقى قضيته عنوانًا لزلزال قضائي وسياسي غير مسبوق في تاريخ فرنسا الحديثة، وامتحانًا صعبًا لمبدأ استقلال القضاء أمام نفوذ السلطة.







0 تعليق