انتهت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فى أكتوبر الماضى بعد عامين من العدوان، بعد جهود مصرية ودعم إقليمى ودولى، لكن معاناة الفلسطينيين لم تنته، بل ظلت المأساة مستمرة وسط أهالى قطاع غزة، فمئات الآلاف من المرضى والمصابين يحتاجون للعلاج والرعاية الطبية، اللذين لم يصبحا متوافرين، بعد تدمير المستشفيات وقتل مئات الأطباء، والتعنت فى إدخال المساعدات الطبية العاجلة. وفى إحصائية لها، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن أن نحو ١٦ ألفًا و٥٠٠ مريض من قطاع غزة ينتظرون السفر لتلقى العلاج خارج القطاع، داعية إلى إعادة فتح جميع المعابر مع غزة بشكل عاجل ومستدام، الأمر الذى يحتاج إلى نظرة عن كثب لمعاناة الفلسطينيين، رغم انتهاء الحرب.. «الدستور» رصدت شهادات حية من داخل القطاع حول أوضاع المرضى والمصابين من جراء العدوان الإسرائيلى الغاشم على المدنيين من أهالى غزة.
سامى النجار: لا إمكانات بالقطاع تعيد الرؤية لابنتى مياس ذات الـ8 سنوات
رغم أنها لم تتجاوز الثامنة من عمرها، إلا أنها أصيبت بشظايا صاروخ أتلفت عينها اليسرى وتسببت فى تشوهات بوجهها، هذا إلى جانب فقدان شقيقتها الصغرى التى لم تبلغ العامين بعد. ومنذ تعرضها لشظايا انفجار صاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية فى يونيو ٢٠٢٥، تستمر معاناة مياس سامى النجار، ابنة قطاع غزة، التى تسبب فقدان عينها وشقيقتها فى مرورها بأزمة نفسية حادة، يصعب التعافى منها فى ظل الأوضاع الحالية، واستمرار نزوح الأسرة إلى منطقة مواصى خان يونس بعد اجتياح قريتها.
وعن حالة «مياس»، أوضح والدها سامى النجار، لـ«الدستور»، أن ابنته أجرت عملية جراحية لم تكلل بالنجاح، وقال الأطباء حينها إنه يجب إجراء عملية ثانية بعد ٦ أشهر من العملية الأولى لكن من الصعب إجراؤها بالقطاع لعدم توافر الإمكانات، مشيرًا إلى أن ابنته، بعدما أصابها، تتساءل يوميًا عن موعد العملية التى قد تعيد لها عينها وتعيد ملامح وجهها الذى شوهته صواريخ الاحتلال.
وتابع: «أقسم أنى لا أعرف طعم النوم، ولا أستوعب فقدان ابنتى الصغيرة (لانا)، ولا أستطيع علاج ابنتى الثانية (مياس) التى فقدت عينها فى عمر الزهور، وأناشد الأب الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يسمع أنين طفلتى الصغيرة ويساعدنى لإجراء عملية لها فى جمهورية مصر العربية».
وأكمل: «سأكون مدينًا لكل من يساعدنى على علاج ابنتى حتى يوم القيامة، لأنه لم يعد لدى سواها».
محمد أبورجيلة: أفتقد العلاج من تداعيات «السكر» الذى أتلف شبكية عينى
يعانى محمد أبورجيلة، من خان يونس، تداعيات مرض السكرى، الذى أثر بشكل خطير على شبكية إحدى عينيه، لغياب العلاج خلال الأشهر الأولى من الحرب، قبل أن يتم تحويله من المستشفى الأوروبى فى مايو ٢٠٢٣ للعلاج فى مستشفى سان جون بالقدس. وأوضح «أبورجيلة»، البالغ من العمر ٢٨ عامًا، وهو أب لثلاثة أبناء، أنه مع بداية العدوان على قطاع غزة، تفاقم وضعه الصحى وتعرضت عينه اليسرى لانفصال شبكى من الدرجة الأولى، وفى أكتوبر ٢٠٢٤، تواصلت معه منظمة الصحة العالمية، وأبلغته بأن سفره سيكون خلال أقل من أسبوع لتلقى العلاج بالخارج، لكنه فوجئ بعدها برفض سفره.
وقال: «بعد مراجعتى للمنظمة أبلغونى بأن السفر سيكون قريبًا، وكل هذا حدث قبل الدخول لرفح مجددًا».
وأضاف: «منذ ذلك الحين وأنا أعيش فى معاناة يومية، وأتألم بصمت، وأفقد بصرى تدريجيًا، بينما حقى فى العلاج يُهدر بين الجهات دون أى اعتبار لحالتى الصحية المتدهورة».
وتابع: «نزحت أكثر من ٨ مرات، وكل مرة تكلفت نحو ٢٠٠ دولار، وأنا اليوم أطلب حقى الإنسانى فى العلاج العاجل، فالصحة ليست رفاهية، والبصر ليس شيئًا يمكن تعويضه».
وناشد «أبورجيلة» كل الجهات المختصة، وخصوصًا الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى، ومنظمة الصحة العالمية، بمساعدته عبر تسهيل سفره لتلقى العلاج.
«صحة غزة»: 65% من المستشفيات خارج الخدمة.. واستشهاد 1760 كادرًا طبيًا
قال الدكتور منير البرش، وكيل وزارة الصحة فى قطاع غزة، إن عمليات انتشال جثامين الشهداء من تحت ركام المبانى المدمرة لا تزال مستمرة، فى ظل وجود أكثر من ١٠ آلاف مفقود، يُعتقد أن غالبيتهم ما زالوا تحت الأنقاض، مشددًا على أن الوضع الإنسانى لا يزال بالغ الخطورة. وفيما يتعلق بالجثامين التى دُفنت فى مقابر جماعية، كشف «البرش» عن أن نحو ٣٠٠ جثمان كانت محتجزة لدى الاحتلال، فى ما يُعرف بـ«مقابر الأرقام» داخل المعتقلات الإسرائيلية، منوهًا إلى أن عددًا من تلك الجثامين وصل فى حالة صعبة، مع وجود آثار تعذيب وعمليات قتل قريبة وخنق ودهس، بينما جرى التعرف على هوية ٨٤ منها فقط، وتم دفن البقية كمجهولى الهوية.
وعن وضع القطاع الصحى، كشف «البرش» عن أن ١٤ مستشفى فقط تعمل بشكل جزئى من أصل ٣٨ مستشفى كانت تعمل فى غزة قبل الحرب، وسط نقص حاد فى الأدوية والمستلزمات الطبية. وأشار إلى أن أكثر من ٦٠٪ من الأدوية الأساسية و٧٠٪ من مستلزمات العمليات والمختبرات غير متوافرة، بالإضافة إلى نقص كبير فى الوقود اللازم لتشغيل المولدات والأجهزة الطبية.
وعن الخسائر خلال عامين من الحرب، قال «البرش»: «إجمالى الأضرار التى لحقت بالقطاع الصحى تجاوزت ٧ مليارات دولار، فيما بلغ عدد الكوادر الصحية الذين استشهدوا ١٧٦٠ شخصًا، واعتُقل أكثر من ٣٦٠ آخرين، وتعرض بعضهم للتعذيب الجسدى والنفسى، وفقد بعضهم أطرافهم أو القدرة على الحركة». وأكد أن الوضع الصحى فى غزة يحتاج إلى تدخل دولى عاجل، قائلًا: «الكارثة الإنسانية مستمرة، وما يتوافر لدينا اليوم لا يكفى لإنقاذ حياة من تبقى».












0 تعليق