سودانيون: الدعم السريع يشن حربه على الصحفيين لطمس معالم الجرائم

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتصاعد الانتهاكات المروعة التي ترتكبها ميليشيا الدعم السريع ضد الصحفيين في السودان، فمنذ اندلاع الحرب، أصبح الصحفيون هدفًا مباشرًا لحملات القمع والاختطاف والقتل والتعذيب، في محاولة لإسكات الحقيقة وطمس معالم الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين.

وتؤكد تقارير نقابية ومنظمات حقوقية أن العشرات من الصحفيين تعرضوا للاعتقال أو الإخفاء القسري أو الإعدام الميداني، فيما اضطُر آخرون إلى الفرار من مناطق النزاع خوفًا من الملاحقة.

في الوقت الذي تسعى فيه الميليشيا إلى فرض عتمة إعلامية على ما يجري في دارفور ومدن السودان الأخرى، تتزايد الشهادات الميدانية حول الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف الصحافة كجزء من سياسة متكاملة لإرهاب المجتمع وتدمير مؤسساته المدنية.

مؤخرًا، أكدت لجنة حماية الصحفيين في السودان تلقيها تقارير موثوقة تشير إلى اختفاء 13 صحفيًا سودانيًا وتعرض ثلاث صحفيات على الأقل للاغتصاب خلال الهجوم، مشيرةً إلى أن هذه الجرائم تمثل جزءًا من نمط واسع من العنف الجنسي الممنهج الذي تمارسه الميليشيا ضد النساء، خاصة الصحفيات اللواتي يحاولن نقل الحقيقة من الميدان.

كما أوضحت اللجنة أنها تلقت إفادات من جماعات حقوقية محلية تفيد باختفاء عدد من الصحفيين عقب سيطرة الدعم السريع على الفاشر، فضلًا عن توثيق مقتل 14 صحفيًا، وتحويل مقرات وسائل الإعلام إلى مراكز احتجاز، واختطاف إعلاميين مقابل فدية مالية.

في هذا الإطار، قال وليد النور سكرتير نقابة الصحفيين السودانيين، إن الانتهاكات التي ترتكبها ميليشيا الدعم السريع ضد الصحفيين السودانيين كثيرة وممنهجة، وتُظهر بوضوح أن المليشيا تسعى لإسكات الأصوات المستقلة ومنع نقل الحقيقة من مناطق النزاع، وخاصة في مدينة الفاشر التي تعيش وضعاً إنسانياً مأساوياً منذ سقوطها بأيدي المليشيا.

وأوضح "النور" خلال حديثه لـالدستور أن الانتهاكات تبدأ من المنع والإذلال ومصادرة المعدات الصحفية والاعتقالات المتكررة، بل وحتى الحجز لعدة أيام دون أي مسوغ قانوني، مشيراً إلى أن نقابة الصحفيين كانت على تواصل مستمر مع عدد من الصحفيين الذين بقوا داخل مدينة الفاشر، والذين كان عددهم يقارب 15 صحفياً خلال الأسبوع الأخير. 

وأضاف أن هذا العدد تقلّص بشكل كبير بعد أن اضطر بعضهم إلى مغادرة المدينة، متخفّين عبر طرق وعرة إلى مدينة طويلة في ولاية شمال دارفور.

وأكد سكرتيرالنقابة، أن أحد الصحفيين تم اعتقاله في وسط دارفور ونُقل قسراً إلى مدينة نيالا، فيما تم توقيف آخرين على فترات متقاربة، مشيراً إلى أن آخر من تم اعتقاله هو الزميل معمر إبراهيم، المراسل الصحفي المتعاون مع شبكة الجزيرة، والذي لا يزال محتجزاً حتى الآن، بينما لا يزال مصير أربعة صحفيين آخرين مجهولاً، إذ لم يتم التوصل إلى أي معلومات دقيقة عن أماكن احتجازهم أو أوضاعهم الصحية، وجميعهم كانوا يعملون في مؤسسات إعلامية رسمية أو محلية في الفاشر.

وتابع النور قائلاً: إن تعامل الدعم السريع مع الصحفيين في مناطق سيطرتها هو تعامل عدائي في الغالب، إذ تفرض عليهم المليشيا العمل وفق رؤيتها ونقل روايتها فقط، بينما تعتبر أي محاولة للحياد أو نقل الحقيقة تهديداً مباشراً لها.

 وأضاف: "بمجرد أن تحاول أن تمارس استقلاليتك كصحفي، فأنت تصبح شخصاً غير مرغوب فيك لديهم، ومعرّضاً للملاحقة أو الاعتقال أو حتى القتل".

وأشار إلى أن الصحافة السودانية تأثرت بشكل بالغ بالحرب الحالية، إذ تم تعطيل المؤسسات الإعلامية في مناطق واسعة من البلاد، وانقطاع شبكات الاتصال والإنترنت في بعض المدن، فضلاً عن مقتل 32 صحفياً منذ اندلاع الحرب، وهو ما وصفه بـ"الرقم الصادم" الذي يعكس حجم الخطر الذي يواجهه الصحفيون السودانيون في ظل غياب أي حماية حقيقية.

وختم "وليد النور" تصريحه بالتأكيد أن نقابة الصحفيين السودانيين تتابع بشكل دقيق ملف الصحفيين المختفين والمعتقلين، وتطالب المنظمات الدولية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين واتحاد الصحفيين العرب، بالتدخل العاجل للضغط من أجل إطلاق سراحهم وضمان سلامة جميع الصحفيين في مناطق النزاع، مؤكداً أن استمرار استهداف الصحافة في السودان هو استهداف للحقيقة ولحق المجتمع في المعرفة.

مجدي عبدالعزيز: الانتهاكات ضد الصحفيين نهج للميليشيا المتمردة وليست سلوك أفراد

وقال مجدي عبدالعزيز، الباحث السياسي السوداني، رئيس تحرير موقع الرواية الأولى إن الانتهاكات من القتل على الهوية والاغتصابات والنهب والخطف بغرض الفدية، هي نهج للميليشيا المتمردة وليست سلوك أفراد.

أضاف عبدالعزيز لـ"الدستور"، أن هذا نهج وسياسة، فهم يريدون أصلًا إفراغ الفاشر، وكان الهدف هو إفراغها إما بالقتل أو بالرعب حتى يخرجوا.

وأضاف أن الميليشيا تريدها مدينة خالية من السكان حتى تسكنها أو يحدث ما يُعرف بالتغيير الديموغرافي، ودليل على ذلك أن هذا النهج كان في بداية الحرب في غرب دارفور حينما أبادوا قبيلة المساليت. هذه إبادة جماعية وقعت لقبيلة المساليت، حيث قُتل 15 ألف شخص في يوم واحد.

وأشار إلى أن الإبادة ذاتها حصلت في ولاية الجزيرة في قرية "والدنورة"، وكذلك في منطقة "صالحة" في أم درمان، حينما كانوا يغادرون فقتلوا الناس، وهذا نهج الميليشيا، وهو أحد أسلحتها الأساسية إرعاب الناس.

وتابع عبدالعزيز "استهداف الصحفيين كان واضحًا جدًا، لأنهم لا يريدون للحقيقة أن تخرج، وحتى الصحفيون غير المراسلين الذين كانوا يعملون في القنوات، أو الذين يعتبرونهم موالين للحكومة السودانية، هؤلاء تم قتلهم".

وأضاف أن الناطق الرسمي العقيد محمد حسن، الناطق باسم القوات المشتركة، قد قُتل، كما تم قتل بعض المراسلين واحتُجز كذلك مراسل قناة الجزيرة معمر، وهناك عدد من الصحفيين الآخرين.

وقال عبدالعزيز: أنا ليس لدي حصيلة دقيقة، لكن أي صحفي كان موجودًا في الفاشر إما مقتول أو مخطوف الآن، وتأكدت الأنباء بحدوث حوادث اغتصاب لصحفيات، لأن الميليشيا تستخدم الاغتصاب كسلاح أيضًا.

وأوضح أن كل ما يحدث هو جزء من سياسة مرسومة لإرهاب الناس وتفريغ المدن من سكانها، واستخدام العنف الممنهج ضد المدنيين والصحفيين على حد سواء. الميليشيا لا تريد أن يُنقل للعالم ما ترتكبه من جرائم، لذلك تلجأ إلى التصفية والخطف والاغتصاب والترويع.

وأكد عبدالعزيز أن هذه الممارسات ليست تصرفات معزولة بل نهج ثابت، فهي وسيلة الميليشيا للسيطرة عبر الخوف، والهدف منها كسر إرادة المجتمع وطمس الحقيقة ومنع الإعلام من أداء دوره، لتبقى الجرائم بلا شهود ولا توثيق.

طاهر المعتصم: سقوط الفاشر كارثة إنسانية والاعتداءات على الصحفيين نهج ممنهج للميليشيا

أوضح الكاتب الصحفي السوداني طاهر المعتصم إن "سقوط مدينة الفاشر في يد ميليشيا الدعم السريع الأسبوع الماضي شكل كارثة بكل المقاييس"، موضحًا أن المقاطع المصورة التي نشرها أفراد من الميليشيا على مواقع التواصل الاجتماعي كشفت بوضوح حجم العنف الممنهج الموجه ضد المدنيين.

وأضاف لـ"الدستور" أن تلك الفيديوهات "توثق لجرائم إعدام خارج نطاق القانون وقتل متعمد بحق الأبرياء"، مشيرًا إلى أن ما يجري في الفاشر "ليس مجرد تجاوزات فردية بل سياسة ممنهجة ترمي إلى بث الرعب وتفريغ المدينة من سكانها".

وأوضح "المعتصم" أن لجنة حماية الصحفيين الأمريكية كانت قد أكدت في تقرير حديث لها اختفاء 13 صحفيًا سودانيًا منذ سقوط المدينة، في حين أصدرت نقابة الصحفيين السودانيين سلسلة من البيانات المتتالية قبل الأحداث وأثنائها حذّرت فيها من وجوب حماية الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، خصوصًا في مناطق النزاع. 

وأشار إلى أن النقابة "رفضت بشدة اعتقال المراسل الصحفي معمر إبراهيم عقب دخول الميليشيا إلى الفاشر، وطالبت بالإفراج الفوري عنه وعن جميع الصحفيين المختطفين".

وبين أن النقابة كوّنت غرفة عمليات خاصة لمتابعة أوضاع الصحفيين المفقودين، حيث تتباين الأرقام حول عددهم الحقيقي بين ما ورد في تقرير لجنة الحماية وما رصدته النقابة، موضحًا أن الأخيرة نجحت في التواصل مع بعض الصحفيين الذين تمكنوا من الهروب إلى مناطق أكثر أمانًا، بينما لا يزال مصير آخرين مجهولًا. وأضاف أن النقابة تلقت بلاغات حول تعرض ثلاث صحفيات لاعتداءات جنسية، مشيرًا إلى أن التحقيقات لا تزال جارية للتأكد من صحة تلك الوقائع.

وقال "المعتصم" إن ما يحدث هو "نهج متكامل للميليشيا، فالعنف الممنهج ضد المدنيين وضد الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني بات أداة تستخدمها قوات الدعم السريع لإسكات الأصوات وكسر إرادة السكان"، لافتًا إلى أن بعض الصحفيين أُجبروا على دفع فدية مالية مقابل إطلاق سراحهم بعد اختطافهم من منازلهم أو مقار عملهم. وأكد أن العنف الجنسي أصبح إحدى أدوات الترهيب، حيث يتم استهداف النساء كوسيلة لإذلال المجتمعات المحلية.

وختم الكاتب الصحفي تصريحه بالتأكيد أن الحل الأمثل لإنقاذ المدنيين في الفاشر وبقية المدن السودانية يتمثل في الوصول إلى هدنة حقيقية تفتح الممرات الإنسانية وتسمح بمرور الإغاثة، مشيرًا إلى أن مدنًا أخرى مثل الدلنج وبابنوسة لا تزال محاصرة من قبل الميليشيا، ما يجعل الأوضاع الإنسانية أكثر خطورة. وأضاف أن "ترحيب الشعب السوداني ومصر ودول الجوار بأي هدنة مقبلة يعكس تطلع الجميع إلى إنهاء هذه المأساة ووقف نزيف الدم في دارفور والسودان عمومًا".

وائل محجوب: التعتيم على جرائم الفاشر جريمة جديدة.. والدعم السريع ينتهك القانون الدولي الإنساني بشكل ممنهج

 

أما الباحث السياسي والكاتب السوداني وائل محجوب أكد أن الجرائم التي شهدتها مدينة الفاشر تُعد مخالفة صريحة وواضحة للقانون الدولي الإنساني، ولـ اتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين والصحفيين أثناء النزاعات المسلحة. 

أوضح محجوب لـ"الدستور" أن ما تشهده المدينة من فظائع وانتهاكات واسعة يتم التعتيم عليه عمدًا من خلال اختطاف الصحفيين ومنعهم من أداء مهامهم، في محاولة لفرض ظلام إعلامي دامس يخفي الجرائم المرتكبة بحق الأبرياء.

وأشار إلى أن هذه الممارسات ليست جديدة، بل تمثل نهجًا ممنهجًا ومتكررًا لقوات الدعم السريع، إذ تعمل على إسكات الأصوات المستقلة وطمس الحقائق حول ما يجري من جرائم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. 

وأضاف أن تلك الانتهاكات المتواصلة أثارت اهتمامًا واستنكارًا دوليًا واسعًا، حيث أدانت معظم الجهات والمنظمات الدولية ما حدث في الفاشر وطالبت بفتح تحقيق عاجل ومحايد.

وأكد محجوب أن المسئولية تقع الآن على عاتق بعثات تقصي الحقائق الدولية والمنظمات الحقوقية لمباشرة التحقيقات وجمع الأدلة حول هذه الانتهاكات، خاصة بعد ثبوت تورط الميليشيا في أعمال قتل جماعي واعتداءات ممنهجة على المدنيين والصحفيين. 

وشدد على أن تصريحات قادة ميليشيا الدعم السريع بشأن تشكيل لجان تحقيق داخلية لا أساس لها من الصحة، موضحًا أن تلك الجهات تفتقر إلى البنية المؤسسية والحياد اللازمين؛ لإجراء أي تحقيق جاد أو محاسبة حقيقية.

واختتم الباحث وائل محجوب تصريحه بالتأكيد أن ما يجري في دارفور، وبالأخص في مدينة الفاشر، هو انعكاس خطير لانهيار منظومة الحماية الدولية داخل السودان، مشيرًا إلى أن التهاون في مواجهة هذه الجرائم قد يفتح الباب أمام تكرار مآسٍ إنسانية مشابهة لما حدث سابقًا في مدينة الجنينة وغيرها من مناطق غرب السودان.

محمد زاهر: الدعم السريع يطفئ عدسات الحقيقة بالدم والنار.. والانتهاكات لن تمر دون محاسبة

أكد الصحفي السوداني محمد زاهر في تصريح خاص لـ"الدستور" أن ميليشيا الدعم السريع ما زالت تواصل انتهاكاتها الممنهجة ضد المدنيين والإعلاميين، في محاولة واضحة لـ تكميم الأفواه وإطفاء عدسات الحقيقة وكسر أقلام الصحفيين بقوة السلاح. 

وأوضح أن الميليشيا تتعامل مع الصحفيين والإعلاميين كأعداء مباشرين، لأنها تدرك أن سجلها مليء بالدماء والانتهاكات، ولا تريد أن يراها العالم على حقيقتها، ولذلك تلجأ إلى القتل والخطف والاغتصاب بحق الصحفيات في سلوك وصفه بـ"النهج الثابت عبر تاريخها الأسود".

وأكد "زاهر" أن ما تقوم به هذه الميليشيا من أفعال يمثل جريمة مكتملة الأركان ومخالفة صارخة لكل القوانين والتشريعات الدولية التي تنص على حماية الصحفيين، وتمكينهم من أداء واجبهم المهني بحرية وأمان. 

وأضاف أن الانتهاكات لم تتوقف عند القتل أو الاعتداء الجسدي، بل شملت الاعتقال التعسفي وطلب فدية مالية مقابل إطلاق سراح الصحفيين المختطفين، في انتهاك واضح لكل الأعراف الإنسانية.

وشدد "زاهر" على أن هذه الجرائم تعكس خوف الميليشيا من كشف حقيقتها أمام العالم، لذلك تسعى بكل الطرق إلى إسكات الأصوات الحرة ومنع نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في مناطق النزاع، خاصة في دارفور ومدن غرب السودان.

واختتم زاهر تصريحه بالتأكيد أن الانتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع لن تمر دون محاسبة، مطالبًا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بالتحرك العاجل لتوثيق الجرائم وملاحقة كل من تورط أو ساعد في عمليات القتل أو الخطف أو الاغتصاب بحق الصحفيين والإعلاميين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق