لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير مساء أمس السبت مجرد احتفال أثري ضخم فقط، بل كان مشهدًا إنسانيًا وثقافيًا يُجسد وحدة المصريين وتجانسهم عبر العصور وابراز اهمية السلام في خلق دولة قوية تكون مصدرا ثقافيا للعالم.
فعلى أنغام تمتزج فيها الترانيم الكنسية بالتواشيح الإسلامية والألحان الفرعونية القديمة، قدّمت مصر لوحة فنية فريدة تُبرز جوهر هويتها الأصيلة كأرضٍ جمعت الأديان والثقافات في سلام وتناغم منذ فجر التاريخ.
ومن خلف صدى الأصوات الروحية، أطلّت مشاهد كنيسة مارجرجس البطريركية للروم الأرثوذكس بجوار مسجد قلعة صلاح الدين في عرض بصري مؤثر، ليؤكد المتحف من جديد أن الحضارة المصرية ليست فقط تاريخًا من الحجارة، بل إيمانًا عميقًا بالإنسان والخلود والسلام بدأ من الايمان بالحياة الاخري والتحنيط حتي اليوم ورغم تنوع ثاقافات مصر ظلت عبر العصور وطنا واحدا للجميع.
مصر.. أرض الإيمان والسلام الإنساني منذ الأزل
من مقابر الملوك إلى معابد الإله رع، ومن كنيسة مارجرجس إلى مسجد الفتاح العليم، تبقى مصر جسرًا روحيًا يربط السماء بالأرض، ومركزًا عالميًا للتسامح والتنوع والإيمان العميق.
وها هو المتحف المصري الكبير اليوم يعيد صياغة هذه الرسالة في صورة حضارية حديثة، تُعلن أن السلام ليس مجرد شعار، بل هوية مصرية خالدة تمتد من عقيدة الخلود إلى نسيج الوطن.
لماذا ظهرت فكرة التحنيط عند المصريين القدماء؟
قدر المصريون القدماء الحياة وآمنوا بفكرة الخلود، مما قادهم إلى البدء في الاستعداد لموتهم مقدمًا فقد اعتقدوا أنه حتى بعد الموت، ستستمر الحياة وسيظلون بحاجة إلى أجساد مادية، لذلك، كان الغرض الرئيسي من التحنيط هو الحفاظ على الجثمان أقرب ما يكون إلى حالتها الطبيعية، وهو أمر مهم للحفاظ على الحياة حيث كانو يعتقدون بأن"تفني الروح ولا يفنى الجسد".
كان الجسد المحنط، في عيون المصريين، يحتوي على روح الشخص إذ كان يعتقد أن الروح قد لا تدخل الآخرة إذا هلك الجسد لهذا السبب، كان تحضير القبور يعد احتفالًا مهمًا في الثقافة المصرية.
وقد اشتملت علمية التجهيز للحياة الآخرة أيضًا تخزين المتعلقات بما في ذلك الأثاث والملابس والطعام والمجوهرات قبل وقت طويل من وفاة الفرد.
العقيدة المصرية القديمة.. الإيمان بالخلود كجذر لفكرة السلام الروحي
فيحتوي المتحف المصري الكبير على العديد من الآثار المتعلقة بالعقيدة الدينية لأعتقادهم بالبعث، مثل مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة التي تضم القناع الذهبي والتابوت الذهبي، والتي تُظهر معتقدات المصريين القدماء حول الحياة بعد الموت، بالإضافة إلى تماثيل الملوك والآلهة التي تعكس دور الملوك كوسطاء بين البشر والآلهة، ومومياوات ملكية وجنائزية تُبرز طقوس التحنيط للحفاظ على الجسد للحياة الأخرى، والمخطوطات واللوحات والنقوش الجدارية التي تسجل النصوص الدينية وتصور مشاهد من الحياة الدينية والممارسات الجنائزية عند المصري القديم، بالإضافة إلى قطع من الحياة اليومية ذات الدلالات الدينية مثل الأواني الفخارية والتماثيل الصغيرة.
مجموعة توت عنخ آمون، تُعرض لأول مرة كاملة، وتضم 5398 قطعة أثرية، منها القناع الذهبي والتابوت الذهبي والعديد من الأدوات الجنائزية التي تُجسد معتقداتهم في الحياة الأبدية.
التوابيت الحجرية والنقوش، تشمل توابيت حجرية ضخمة تُستخدم في طقوس الدفن، ونقوش جدارية تُبين تفاصيل المعتقدات الدينية وطقوس الحياة الآخرة.
تماثيل الملوك والآلهة، تماثيل ضخمة تصور الملوك ككائنات مقدسة تربطهم بالآلهة، مثل تمثال رمسيس الثاني، بالإضافة إلى تماثيل لآلهة متعددة.
ذلك الاعتقاد بالخلود زرع في وجدان المصريين حبّ السلام الداخلي والسعي نحو التوازن بين الأرض والسماء مما جعل من مصر القديمة اول حضارة مكتوبة واول حضارة بها آله للعدالة.
مراكب الشمس.. رحلة الإنسان نحو الأبدية.
وتُعد مراكب الملك خوفو من أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، إذ يعود تاريخها إلى أكثر من 4600 عام، وتُمثل رمزًا مقدسًا في العقيدة المصرية القديمة، فقد آمن المصريون القدماء بأن الإله "رع" يبحر في مركب الشمس عبر السماء نهارًا ويعود لرحلته في العالم السفلي ليلًا، ولذلك رافق الملوك مراكبهم الجنائزية لتأمين رحلتهم الأبدية.
ويُجسّد متحف مراكب خوفو داخل المتحف الكبير هذا المفهوم الديني والفلسفي في تجربة بصرية تجمع بين الإيمان القديم والعلم الحديث، حيث يعرض أقدم أثر عضوي محفوظ في العالم "مركب خوفو الأولى" إلى جانب المركب الثانية التي تم اكتشافها بجوار هرم خوفو.










0 تعليق