يفتح المتحف المصرى الكبير أبوابه للجمهور، بعد غدٍ الثلاثاء، الرابع من نوفمبر، لتبدأ المرحلة التشغيلية الكاملة التى تشمل استقبال الزوار والرحلات السياحية المحلية والدولية.
وتنظم إدارة المتحف الزيارات عبر نظام حجز إلكترونى متطور يتيح اختيار مواعيد الزيارة وتحديد البرامج داخل المتحف لتفادى التكدس وضمان تجربة مريحة لكل الزائرين، وتم تحديد تذكرة الدخول للمصريين بسعر ٢٠٠ جنيه، و١٠٠ جنيه للطلبة المصريين، بينما تبلغ تذكرة الأجانب ما يعادل ٣٠ دولارًا؛ كما خُصصت مواعيد مسائية للزيارات الخاصة والمجموعات السياحية المنظمة، على أن يكون لمتحف الطفل تذكرة مستقلة.
فى التقرير التالى، تصطحب «الدستور» القراء فى جولة بانورامية داخل المتحف لنتعرف عن قرب على تكوينه المعمارى وأبرز المقتنيات الأثرية داخله.
خراطيش رمسيس الثانى تزين الواجهة.. والمسلة المعلقة تقدم محاكاة للأهرامات
تعد المسلة المعلقة للملك رمسيس الثانى أولى القطع الأثرية التى سيقابلها الزائر بمجرد الوصول إلى المتحف المصرى الكبير.
ويبلغ ارتفاع هذه المسلة الجرانيتية ١٦ مترًا، وتحمل الجوانب الأربعة نقشًا يحمل اسم حورس واسم العرش واسم ميلاد الملك، ويبلغ وزنها نحو ٨٧ طنًا، وترتكز على قاعدة خرسانية ضخمة، وتقع فى ساحة تصل مساحتها إلى ٣٠ ألف متر مربع، ويتاح للزوار رؤية خراطيش الملك رمسيس الثانى الموجودة فى قاعدة المسلة.
وبعد الانتهاء من رؤية المسلة المعلقة، تقابلك واجهة المتحف المقامة على شكل مثلثات تنقسم إلى مثلثات أصغر، فى إطار رمزى للأهرامات، لتحمل فى طياتها عبق الحضارة المصرية القديمة ودلالات تاريخية مهمة، كما تضم الساحة الخارجية عددًا من الحدائق مثل حديقة النخيل والحديقة المنحوتة وحديقة المعبد.
وبعد أن تتخطى الواجهة الهرمية، تدخل إلى منطقة البهو العظيم التى تضم تمثال الملك رمسيس الثانى المصنوع من الجرانيت، ويصل ارتفاعه إلى ١١٣٥ سم، وعرضه إلى ١٨٠ سم، كما ستجد بجواره عمود الملك مرنبتاح الذى عُثر على أجزائه أثناء أعمال الحفائر بمنطقة هليوبوليس، ويتكون العمود من دعامة مرتفعة من الحجر الجيرى، وقاعدة من الحجر الرملى، أما ساق العمود فهى من الجرانيت الأحمر.
وتُخلّد النصوص المحفورة على العمود ذكرى انتصار الملك مرنبتاح فى الحرب التى شنها فى العام الخامس من حكمه ضد المعتدين على حدود مصر، وتُصوِّره المناظر وهو يتسلم مقمعة الحرب من المعبودة عنات، وسيف النصر من الآلهة آمون رع، وحور آختى، وست، ومونتو، وسخمت.
كما يوجد على مستوى القاعدة منظر للأسرى الملتحين المربوطين بالحبال، وسجل موجز لأحداث المعركة وقائمة بالغنائم، ويشير اكتشاف هذا العمود إلى وجود معبد بناه الملك مرنبتاح للآلهة الرئيسية فى مدينة هليوبوليس القديمة.
وستجد أيضًا تمثال الملك البطلمى الذى يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار، وكان يقف فى الأصل خارج المعبد المهيب المخصص للمعبود آمون فى مدينة هيراكليون، ويصور التمثال أحد ملوك البطالمة فى هيئة ملك مصرى يرتدى التاج المزدوج والنقبة الملكية، تتقدمه ساقه اليسرى، ويتدلى ذراعاه بجانب جسده.
وزار التمثال عددًا من المدن الأوروبية والأمريكية كجزء من المعرض المؤقت بعنوان «المدن الغارقة»، قبل أن يصل إلى معرضه الدائم بالمتحف المصرى الكبير.
كما ستجد تمثالًا آخر لملكة بطلمية اكتُشف ضمن مجموعة من التماثيل واللوحات والحُلى والمسكوكات المعدنية فى حفائر منطقة خليج أبوقير بشمال شرق الإسكندرية، والتى كشفت عن أسرار مدينة هيراكليون الأثرية الغارقة.
ويصور التمثال الملكة فى هيئة الإلهة إيزيس، ترتدى باروكة شعر ثلاثية ورداءً وشالًا معقودًا حول خصرها، ويعلو رأسها قرص الشمس بين قرنى بقرة وتاج من ريشتين، وبعد انتهائك من رؤية التماثيل فى منطقة البهو، ستجد المنطقة التجارية التى تضم المطاعم ومحال بيع الهدايا التذكارية.
60 تمثالًا فى الدرج العظيم.. و12 قاعة عرض بأحدث تكنولوجيا
بعد ذلك، سيقابلك الدرج العظيم الذى يُعد من أكثر الأماكن تفرّدًا بالمتحف، إذ يُعرض عليه مجموعة من أفضل وأضخم القطع الأثرية التى تجسد روائع فن النحت فى مصر القديمة، بدءًا من عصر الدولة القديمة وحتى العصر اليونانى الرومانى، وينتهى الدرج العظيم بمشهد بانورامى جميل يُظهر أهرامات الجيزة الخالدة.
يُعرض على الدرج العظيم ما يقرب من ٦٠ تمثالًا، ويتدرج الدرج طبقًا لسيناريو العرض المتحفى إلى أربعة موضوعات رئيسية: هى الهيئة الملكية والدور المقدسة (أماكن العبادة)، والملوك والمعبودات (علاقة الملك بالمعبودات)، والرحلة إلى الحياة الأبدية.
ومن أبرز القطع الأثرية به تمثال المعبود بتاح، وتمثال الملك رمسيس الثانى مع المعبودة سخمت، وتمثال للمعبودة سخمت على هيئة اللبؤة، وتاج عمود حتحور، وقمة مسلة للملكة حتشبسوت.
يأخذك الدرج العظيم إلى قاعات العرض الرئيسية التى تضم نحو ١٢ قاعة عرض بمساحة تبلغ نحو ١٨ ألف متر مربع، وهى مزودة بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة من فترينات عرض وشاشات تفاعلية للواقع المعزز والجرافيك، وبطاقات شرح، وأنظمة تحكم بيئى فى درجات الحرارة والرطوبة والإضاءة.
وتعرض القاعات مجموعة من التماثيل تبدأ من عصر ما قبل التاريخ، مرورًا بعصر بداية الأسرات، والدولة القديمة، ثم عصر الانتقال الأول، أى من نحو ٧٠٠ ألف سنة إلى ٢٠٣٤ قبل الميلاد، وتضم ما يقرب من ١٥ ألف قطعة أثرية.
بعد ذلك تتجه إلى القاعة الأهم والأشهر فى المتحف، وهى قاعة توت عنخ آمون، المقامة على مساحة تصل إلى ٧٥٠٠ متر مربع، وتضم كل مقتنيات الملك الذهبى كاملة.
وتعتمد فلسفة القاعة على رواية قصة الملك منذ اكتشاف مقبرته، مرورًا بحياته، وصولًا إلى مرحلة ما بعد البعث كما اعتقد المصريون القدماء، مع توظيف التكنولوجيا الحديثة التى تجعل الزائر يعيش هذه الحقبة الزمنية ويستمتع بتفاصيلها من خلال الإضاءة والديكور والعرض المبتكر.
كما تُعرّف القاعة الزائر على قصة اكتشاف المقبرة فى عام ١٩٢٢ بواسطة هوارد كارتر برعاية اللورد كارنارفون، ومن أشهر القطع المعروضة القناع الذهبى وعرش الملك.
كما تشاهد متحف الطفل، الذى يقع على مساحة ٣ آلاف متر مربع داخل المتحف المصرى الكبير، ويضم ٦ قاعات عرض رئيسية، إضافة إلى مكتبة ومسرح وقاعات للحرف اليدوية وستة فصول دراسية مخصصة لتنفيذ البرامج التعليمية.
ويتميز تصميمه الداخلى بالاعتماد على طرق عرض تفاعلية تتيح للأطفال لمس المستنسخات الأثرية، بما يعزز ارتباطهم بالمقتنيات ويثرى تجربتهم الحسية، وهو مخصص للأطفال من سن ٦ إلى ١٢ عامًا، وله تذكرة مستقلة عن تذكرة دخول المتحف.
عرض منفصل لمركب الملك خوفو الأقدم فى التاريخ
يُعرض مركب الملك خوفو فى مبنى متحفى منفصل داخل المتحف المصرى الكبير، صُمم خصيصًا لتسليط الضوء على هذا الأثر الفريد الذى يُعد من أقدم المراكب الخشبية والآثار العضوية فى تاريخ البشرية، ويعتقد أن هذه المراكب استخدمت أثناء جنازة الملك، أو خُصصت لرحلته إلى العالم الآخر بصحبة إله الشمس رع.
ويُعد مركب الملك خوفو أقدم مركب أثرى معروف وأكبر أثر عضوى تم اكتشافه فى تاريخ البشرية، وأفضلها حفظًا، إذ صُنع من خشب الأرز إلى جانب أنواع أخرى من الأخشاب. يبلغ طوله نحو ٤٢.٣٢ متر.
وضمت المنطقة المحيطة بالهرم الأكبر خمس حفر للمراكب، منها ثلاث فارغة، وفى عام ١٩٥٤، وأثناء إزالة الرمال والرديم المتراكم مقابل الجانب الجنوبى للهرم، تم اكتشاف حفرتين أخريين عُثر بداخلهما على الخشب المفكك لاثنين من مراكب الملك خوفو. كما تم اكتشاف المركب الأول مدفونًا تحت كتل من الحجر الجيرى، واستغرق أكثر من عشر سنوات لإعادة تجميعه، وعلى مدار عقود، طُرحت عدة محاولات لنقله منذ السبعينيات، إلا أن صعوبة تفكيكه حالت دون ذلك. وفى عام ٢٠١٩، تقرر نقله بالكامل دون تفكيك إلى المتحف المصرى الكبير، بعد دراسات هندسية وأثرية مكثفة لضمان سلامته أثناء النقل.
وشملت التحضيرات تعزيز المنصة الحاملة للمركب وتصميم هيكل فولاذى ضخم لحمايته وتنفيذ أعمال ترميم دقيقة، إلى جانب تجارب محاكاة باستخدام عربة ذكية متخصصة. وتمت عملية النقل بنجاح على مدار ثلاثة أيام فى أغسطس ٢٠٢١، حيث قطع المركب مسافة ٨ كيلومترات حتى وصوله إلى المتحف المصرى الكبير، وتم رفعه إلى داخل المبنى الجديد باستخدام ونش ضخم. وجاءت هذه الخطوة التاريخية لحماية أحد أقدم وأهم الآثار العضوية فى التاريخ البشرى، وتوفير بيئة متحفية حديثة وآمنة تليق بقيمته الاستثنائية، مع إزالة التشويه البصرى من محيط الهرم وتقديم تجربة متحفية عالمية المستوى للجمهور. وبدأ استخراج القطع الخشبية للمركب الثانى فى عام ٢٠١٤، وتم ترميمه ونقله إلى المتحف المصرى الكبير، حيث سيتمكن الزوار من مشاهدة عملية ترميمه وإعادة تركيبه كجزء من العرض المتحفى التفاعلى.















0 تعليق