السبت 01/نوفمبر/2025 - 11:38 ص 11/1/2025 11:38:49 AM
هناك ممثلات يُخلقن لأداء أدوار البطولة، وممثلات يُخلقن ليصبحن بطلات فى الظل. وعفاف رشاد تنتمى إلى الفئة الثانية، لا لأن الضوء تجاهلها، بل لأنها كانت أذكى من أن تلهث خلفه. فى كل ظهور لها، كانت تقترح شكلًا خاصًا للأنوثة، للسكينة، وللغضب الصامت. امرأة لا تصرخ، لكنها توجع. لا تتقدم، لكنها تمسك بخيوط المشهد من دون أن تشير إلى نفسها.
لم تكن عفاف رشاد نجمة ملء العين فى ملصقات السينما، لكن من قال إن العمق يحتاج إلى لافتة؟ حضورها فى أى عمل يترك أثرًا يشبه ندى الفجر: لا يُرى بوضوح، لكن لا أحد ينكر أنه لمس الذاكرة. تتقن لغة التفاصيل، تفهم الإيماءة، وتختار صمتها كما يختار العازف نوتته الحرجة. حين تؤدى دور الأم، لا تتحوّل إلى كليشيه باك. تصير الجدار الذى يُسند الأبناء حين تنهار الدنيا. وحين تُكلّف بشخصية ثانوية، تمشى فيها كما تمشى فى بيتها: بتواضعٍ واطمئنان، وبأداء يشبه غريزة العيش.
لم تخشَ الوقوف إلى جانب أسماء كبيرة أو وجوه متجددة. بل كانت دائمًا الشريك الذى لا يُخطئ التوقيت، ولا يكسر الإيقاع. عفاف رشاد لا تمثل لتُقال جملة عن أدائها، بل لتُقال حكاية. وحكاياتها على الشاشة لا تشبه بعضها، لكنها كلها تمتلك حرارة الإنسان العادى، الإنسان الذى يُشبهنا.
فى زمن كانت فيه المساحات النسائية فى الدراما تضيق، فتحت عفاف رشاد لنفسها ممرًا ضيقًا ومضيئًا. مشت فيه بعينٍ ترى الخلفية أكثر من الواجهة، وتُدرك أن السهل لا يُنقذ المشهد، بل تفعله الملامح حين تُصبح حكاية.
عفاف رشاد ليست من اللواتى يتسابقن إلى الكاميرا، لكنها واحدة من القلائل اللواتى يعرفن كيف ينظرن إليها بثقة، ويتركن فيها علامة لا تُمحى.

















0 تعليق