رئيس اتحاد الأثريين: المتحف المصري الكبير وثيقة حيّة تحكي قصة مصر

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع اقتراب موعد الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير المنتظر غدا السبت 1 نوفمبر، تتجه أنظار العالم إلى الجيزة حيث يستعد المصريون لكشف النقاب عن أحد أضخم وأحدث الصروح الثقافية في التاريخ الحديث، فهذا المشروع القومي العملاق، الذي استمر العمل فيه قرابة عقدين من الزمن، يُعد بوابة جديدة للتاريخ المصري القديم، ومرآة تعكس عبقرية المصري في صون تراثه وتقديمه برؤية عصرية تواكب تطلعات المستقبل.

وفي هذا السياق، يتحدث الدكتور أيمن وزيري، استاذ ورئيس قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة الفيوم ورئيس اتحاد الأثريين المصريين، عن الأبعاد الحضارية والمعمارية والثقافية للمتحف المصري الكبير، ودلالات موقعه بجوار أهرامات الجيزة.

عبقرية اختيار الموقع: تواصلٌ بين الماضي والحاضر

يقول الدكتور أيمن وزيري إن اختيار موقع المتحف المصري الكبير بجوار أهرامات الجيزة يجسد رؤية حضارية فريدة تربط بين المكان والزمان، وبين الأثر والتأريخ، ليصبح المتحف منظومة ثقافية متكاملة لا تكتفي بعرض الآثار، بل تعبّر عن عبقرية المصري في استثمار رمزية المكان منذ فجر التاريخ وحتى اليوم. 

ويضيف أن الموقع في مواجهة الأهرامات يخلق تواصلًا مباشرًا بين الماضي الفرعوني والحاضر المصري الحديث، مؤكّدًا أن المتحف يُعد امتدادًا طبيعيًا لمنطقة الجيزة الأثرية، ومكمّلًا لرحلة الزائر عبر الزمن، كما يرى أن هذا الموقع يمنح المتحف رمزية استثنائية، فحين يقف الزائر أمام الأهرامات ثم يدخل قاعات العرض، يشعر أنه يعبر من الحجر إلى الحكاية، ومن المقبرة إلى المتحف، في تجربة متكاملة تعيد للأثر روحه الأصلية.

يوضح رئيس اتحاد الأثريين المصريين أيضًا أن اختيار الموقع جاء مدروسًا من حيث البنية التحتية والاتصال العمراني، ليكون حلقة وصل بين القاهرة القديمة والعاصمة الحديثة، وليعيد توزيع الكثافة السياحية التي كانت تتركز في وسط المدينة عند متحف التحرير.

ويؤكد وزيري أن المتحف بجوار الأهرامات يعلن استمرار الهوية المصرية عبر العصور، فهو صرح يجسد قدرة المصريين المعاصرين على صون تراث أجدادهم بلغة العصر الحديث.

989.png

رسائل مصر إلى العالم: من الجذور إلى الريادة

يؤكد الدكتور أيمن أن موقع المتحف بجوار الأهرامات يوجّه للعالم رسالة حضارية عميقة مفادها أن مصر ليست فقط مهد الحضارة، بل ما زالت قادرة على إحيائها وتقديمها برؤية معاصرة، ويضيف أن هناك 6 رسائل رئيسية يحملها هذا الموقع إلى العالم وهي:

  • رسالة الاستمرارية الحضارية: الحضارة المصرية لم تنقطع، بل تتجدد وتستمر عبر العصور، والمتحف شاهد على هذا الامتداد.
  • رسالة الأصالة والهوية: يجمع الموقع بين رمز مصر الأعظم – الأهرامات – وصرح علمي حديث، ليؤكد أن التطور لا يعني الانفصال عن الجذور.
  • رسالة الريادة الثقافية: مصر تواصل ريادتها في حفظ التراث الإنساني وتقديمه في سياقه التاريخي الأصيل.
  • رسالة السلام والتواصل الإنساني: فالأهرامات والمتحف معًا يجسدان حضارة دعت إلى الخلود والمعرفة والسلام.
  • رسالة الثقة بالنفس الوطنية: إقامة صرح بهذا الحجم بجوار أعظم آثار العالم تعبير عن ثقة مصر في ذاتها وفي قدرتها على الإبداع.
  • رسالة التعليم والإلهام: الموقع نفسه درس مفتوح في التاريخ والهوية، يذكّر الأجيال بأن الأثر ليس حجرًا جامدًا، بل فكرة ورسالة حيّة.

ما الذي يميز المتحف المصري الكبير؟

يرى الدكتور أيمن وزيري أن ما يميز المتحف المصري الكبير عن غيره أنه لا يكتفي بعرض الآثار، بل يروي قصة الحضارة المصرية في تسلسل زمني وفكري متكامل، باستخدام أحدث تقنيات العرض التفاعلي، ويشرح أن المتحف يعتمد على رؤية متحفية شاملة تبدأ من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، ليقدّم للزائر قصة متكاملة عن تطور الإنسان المصري من الصياد إلى البنّاء إلى المفكر.

991.png

كما يوضح أن المتحف يستخدم وسائط رقمية متطورة، مثل العروض ثلاثية الأبعاد والواقع المعزّز، وأنظمة إضاءة ذكية تبرز التفاصيل دون الإضرار بالقطع الأثرية، مما يجعل الزيارة تجربة معرفية حيّة، ومن أبرز مميزاته أيضًا عرض مجموعة توت عنخ آمون كاملة لأول مرة في التاريخ — أكثر من خمسة آلاف قطعة — مرتبة وفق تسلسلها الأصلي، لتكشف فلسفة المصريين عن البعث والخلود.

ويضيف استاذ ورئيس قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة الفيوم أن المتحف يضم أكبر مركز ترميم أثري في الشرق الأوسط، ومجموعة معامل متخصصة لصيانة المومياوات والمنسوجات والمعادن، مما يجعله مؤسسة علمية بحثية قبل أن يكون مكانًا للعرض فقط، مشيرًا إلى أن تصميم المبنى ذاته يحمل رموزًا مصرية قديمة، مثل الممرات الصاعدة التي تحاكي طريق الموكب الجنائزي الملكي نحو الأهرامات، لتجعل العمارة جزءًا من الرسالة الحضارية.

قاعات تروي التاريخ: من رمسيس إلى توت عنخ آمون

يقول رئيس اتحاد الأثريين المصريين إن المتحف صُمم ليجعل الزائر يعيش قصة الحضارة المصرية من خلال محطات رمزية مؤثرة، تبدأ من الدرج العظيم وتنتهي بإطلالة الأهرامات من الواجهة الزجاجية، ويبدأ المشهد في الدرج العظيم، حيث يصعد الزائر بين تماثيل ضخمة لملوك الدولة القديمة والحديثة، كأنه يسير في موكب الملوك عبر الزمن، ويستقبله تمثال رمسيس الثاني شامخًا رمزًا للقوة والديمومة.

ثم تأتي قاعة توت عنخ آمون، وهي درة المتحف، حيث تُعرض مقتنيات الملك كاملة مرتبة كما كانت في مقبرته، ليعيش الزائر تجربة روحانية بين الذهب والرمز والعقيدة، وفي قاعة ما قبل الأسرات، يشاهد الزائر بدايات الإنسان المصري وأدواته الأولى على ضفاف النيل، ثم ينتقل إلى قاعة بناة الأهرامات التي تُظهر عبقرية التنظيم والهندسة، فإلى قاعة الحياة اليومية التي تروي كيف عاش المصري القديم يومه في العمل والموسيقى والاحتفال.

أما قاعة العقيدة والبعث، فتُعد قلب المتحف الفلسفي، إذ تضم برديات “كتاب الموتى” وتماثيل الآلهة والنقوش الجنائزية التي تجسّد فكرة الخلود، مشيرًا إلى أن المشهد الختامي من داخل المتحف – الأهرامات في الأفق خلف الواجهة الزجاجية – يلخص عشرة آلاف سنة من التاريخ في لحظة واحدة من التأمل والدهشة.

مستقبل السياحة الثقافية: من الأثر إلى التجربة

يتوقع الدكتور أيمن أن يغيّر المتحف المصري الكبير خريطة السياحة الثقافية في مصر جذريًا، لأنه لا يقدّم مجرد مزار أثري جديد، بل يؤسس نموذجًا عالميًا للسياحة الثقافية المستدامة، ويشرح أن المتحف سيعيد تعريف التجربة السياحية، إذ تتحول الزيارة من مجرد مشاهدة آثار إلى تجربة تفاعلية تعليمية، مما يجذب فئات جديدة من السياح والباحثين والطلاب.

992.png

كما سيعزز مكانة مصر كـعاصمة عالمية للتراث الإنساني، ويوفر فرصًا هائلة للتعاون الأكاديمي والثقافي مع المؤسسات الدولية، ويؤكد (وزيري) على أن المتحف سيدعم الاقتصاد الوطني بفضل موقعه المتميز بجوار الأهرامات، ليخلق منطقة جذب سياحي متكاملة تسهم في زيادة عدد الزوار ورفع العائد السياحي، فضلًا عن توفير فرص عمل في مجالات الترميم والإرشاد الثقافي والبحث العلمي.

ويضيف أن المتحف لا يخدم الزائر الأجنبي فقط، بل يُسهم في رفع الوعي بالهوية الوطنية بين الأجيال المصرية الجديدة، مؤكدًا أن كل طفل سيخرج منه أكثر فخرًا بانتمائه لحضارة لا تموت.

المتحف في ضوء الأرقام

بحسب الدكتور أيمن وزيري، استاذ ورئيس قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة الفيوم ورئيس اتحاد الأثريين المصريين، يعتبر المتحف المصري الكبير:

أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم.

  • مساحة إجمالية: 500 ألف متر مربع، منها 168 ألف للمباني و18 ألف للمعارض الدائمة.
  • يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، منها 5392 قطعة لتوت عنخ آمون.
  • يحتوي على الدرج العظيم بمساحة 6000 متر مربع ويتكوّن من ستة طوابق.
  • من المتوقع استقبال أكثر من 5 ملايين زائر سنويًا بعد افتتاحه الكامل.

وبهذه الكلمات يختتم (وزيري) حديثه للدستور قائلًا: "المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح أثري، بل وثيقة حيّة تروي قصة مصر للعالم، قصة تبدأ من الإنسان الأول على ضفاف النيل... ولا تنتهي إلا بالخلود".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق