استعدادات مصر لإعمار غزة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 فى ظل الأزمة الإنسانية والدمار الهائل الذى لحق بقطاع غزة، تبرز مصر كقوة إقليمية تضطلع بمسئوليتها التاريخية والقومية تجاه القضية الفلسطينية. وتسعى جاهدة لتضميد جراح قطاع غزة، عبر جهود دبلوماسية ولوجستية مكثفة، تستهدف عقد مؤتمر دولى لإعادة الإعمار. تأتى هذه الاستعدادات المصرية كاستكمال لدورها الرائد فى وساطة وقف إطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، لتؤكد أن إعادة الإعمار ليست مجرد عملية بناء، بل جزء لا يتجزأ من تثبيت الوجود الفلسطينى وتحقيق الاستقرار فى المنطقة.

قرار مصر باستضافة مؤتمر إعمار غزة، والمقرر مبدئيًا فى النصف الثانى من شهر نوفمبر المقبل وفقًا لتصريحات رسمية، يرتكز على عدة أبعاد استراتيجية. إن الموقع الجغرافى لمصر كبوابة رئيسية لدخول المساعدات ومواد البناء إلى غزة عبر معبر رفح، يجعلها الشريك اللوجستى الأهم فى أى عملية إعمار. كما أن الثقل السياسى والدبلوماسى المصرى، يتيح لمصر حشد الدعم الدولى والعربى اللازم لتمويل عملية الإعمار الضخمة، التى تقدر تكلفتها بعشرات المليارات من الدولارات. وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية قيام الدول الأوروبية والشركاء الدوليين بدور كبير فى هذا المؤتمر. كما أن الدور المصرى المستمر فى دعم السلطة الفلسطينية، والعمل على تنسيق الجهود معها يضمن سير عملية الإعمار بفاعلية وشفافية ومنع أى مخططات للتهجير القسرى.

التحضيرات المصرية لا تقتصر على الجانب الدبلوماسى وحشد التمويل، بل تمتد لتشمل وضع خطة متكاملة لإعادة الإعمار. وتشير المصادر إلى أن الخطة المصرية تهدف إلى إنجاز عملية الإعمار فى فترة محددة، مع التركيز على المراحل الأكثر إلحاحًا. وتتضمن هذه المرحلة إزالة الركام وفتح الطرق وإعادة بناء وترميم شبكات البنية التحتية الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحى. ومن أهم ملامح هذه المرحلة توفير وحدات سكنية متنقلة، مثل كرافانات مجهزة بالخدمات الأساسية لإيواء الأسر التى فقدت مساكنها، وكذلك توفير بيوت متنقلة للمدارس والجامعات والعيادات والمراكز التى تم تدميرها. وتخطط مصر لجلب عدد من الشركات العالمية والمكاتب الاستشارية المتخصصة فى البناء والتخطيط الحضرى لإنجاز مشروعات الإعمار بدعم عربى وأوروبى. وقد كلف الرئيس السيسى بدراسة إنشاء آلية وطنية لجمع مساهمات وتبرعات المواطنين المصريين، تعبيرًا عن التضامن الشعبى مع الأشقاء فى غزة. كما يشمل التنسيق المصرى مختلف الأطراف المعنية، من الأمم المتحدة والبنك الدولى لتقييم الخسائر وتحديد الاحتياجات، إلى الدول العربية والأوروبية لحشد التمويل اللازم، مع التأكيد على ضرورة التنسيق مع القيادة الفلسطينية لضمان ملكيتها للقرار وتنفيذه.

ورغم الحماس والرغبة المصرية الصادقة فى إنجاح مؤتمر إعمار غزة، فإن الطريق ليس مفروشًا بالورد، حيث تواجه مصر تحديات كثيرة. أبرزها الحاجة إلى ضمانات دولية حقيقية لعدم تكرار التدمير مستقبلًا، والمتمثل فى التوصل إلى سلام دائم ومستدام قائم على حل الدولتين. كما أن مسألة دخول مواد البناء والآليات عبر المعابر تظل مرهونة بالتنسيق والضمانات الأمنية، وهى نقطة حساسة.

إن استضافة مصر هذا المؤتمر لا تعكس فقط التزامها تجاه القضية الفلسطينية، بل تؤكد دورها كركيزة للاستقرار فى الشرق الأوسط.

إن إعادة إعمار غزة تتجاوز البناء بالطوب والأسمنت، فهى إعادة بناء للأمل والحياة والكرامة لشعب عانى ويلات الحرب. إن نجاح مصر فى تنظيم المؤتمر وحشد التمويل وتنفيذ الخطة سيكون دليلًا على قدرة الإرادة الدولية والإقليمية على تخطى العقبات وتحقيق التعافى المنشود، لتنطلق غزة من جديد نحو مرحلة التعمير والتنمية. تبقى العيون شاخصة نحو القاهرة، التى تسعى لترجمة التضامن إلى واقع ملموس يعيد الحياة لقلب فلسطين النابض.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق