نحن – المصريين – أمة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أصلِحْ إسلامك يا فارس فما أسوأ أن يتخلى الرجل عن دينه من أجل امرأة! كلمة للفنانة ماجدة من أحد الأفلام الدينية. أقتبس هذا المعنى وأقول للمواطن مصرى أصلح انتماءك الوطنى فما أسوأ أن تقذف بلادك بالحجارة ثم تثنى عليها حين ترى أنها ساندت قضية غير مصرية، أو أن تحدد موقفك منها بناءً على ما تقدمه هى للآخرين لا بناءً على ولاءك المطلق لها وحدها!

(١)

نحن – المصريين – أمة!

مصر أمة متفردة مستقلة بتاريخها القديم وإرثها الحضارى الأصيل الموثق الممتد لثلاثين قرنا قبل المسيحية. مصر أمة بمسيحيتها المصرية الرداء، وإسلامها المصرى الشخصية، بصوفيتها ودراويشها واعتدالها ومحبتها. مصر أمة بلغتها العامية التى صاغتها عبر القرون والتى تحتضن آلاف الكلمات المصرية القديمة، والأمثال الشعبية الريفية، بطقوس أفراحها وطقوس خبيز النساء فى القرى ودموعهن أمام الفرن البلدى، بتراثها الشعبى الفلاحى والصعيدى والنوبى والسيناوى.

 نحن أمة بانتصاراتنا المخضبة بالدم الطاهر، ومشاركة لحظات الانكسار والألم، ومشاهد الكرم ومنح الأمان. نحن أمة بشعبها الصابر عاشق أرضها، وجيشها الشريف الجانح للسلام القوى والعدل.

نحن نملك مقومات الأمة الحقيقية المستقلة من أرض بحدودٍ راسخة عبر خمسة آلاف عام، وشعبٍ عقيدته أن الأرض شرف وعِرض، وشخصية واحدة وديانتين، ومسلمين يحبون مريم البتول حبهم لفاطمة الزهراء، ومسيحيين يزاحمون المسلمين فى شراء حلوى المولد النبوى وإفطار الصائمين على قارعة الطريق. نحن أمة حمى مسلموها كنائسها، وصام مسيحيوها يوم العاشر من رمضان يوم العبور.

نحن أمة واحدة بقوائم شهدائنا منذ سقنن رع وحتى آخر شهيد فى سيناء، بدموع أمهات الشهداء بعد العبور بطول مصر وعرضها دون أن يبكيهم معنا أحد.

نحن أمة بدموع الفلاح حين يرى عطش أرضه وبقهره حين يضطر لمغادرتها، بعشق أهلها لشوارعها والتصعلك فى طرقاتها!  

نحن أمة بعلومٍ ابتكرت من أجل دراسة تاريخها وإرثها مصريات وبرديات. نحن أمة واحدة متفردة بكل محاولات السطو لسرقة هويتها وتاريخها من شعوب وجماعات تبحث لنفسها عن هوية أو أمة!

اللغة وحدها لا تصنع أمة. والديانة بمفردها لا تصنع أمة. والجوار الجغرافى بمفرده لا يصنع من الجيران أو الفرقاء أمة. والغزو الواحد لا يجعل من الشعوب أو الدول الواقعة فى براثنه أمة واحدة.

الأمة الواحدة هى التى يتشارك أفرادها فى الجينات الوراثية، والسمات التاريخية، وجملة القيم الوطنية مثل الإيمان بقداسة الأرض والاستعداد لمنح النفس من أجل هذه الأرض ومن أجل باقى أفراد الأمة.الأمة الواحدة هى التى يتشارك أفرادها فى الذوق والتذوق الفنى وفيما يضحكهم من فكاهة وما يؤلمهم من ألفاظ، وما يمارسونه من طقوس العشق ومفردات الشعر، وما تطرب له آذانهم من موسيقى.

 لم تمنع وحدة الدين عبر التاريخ من صراع وتقاتل المؤمنين به. فلقد تقاتلت الطوائف المسيحية فيما بينها، كما تقاتل المسلمون من المؤمنين بالمذاهب الإسلامية المختلفة.

ولم تمثل اللغة الواحدة صمام أمامٍ يمنع تقاتل الناطقين بها. فكم قامت حروبٌ بين شعوبٍ ناطقة بنفس اللغة!

(٢)

 إن مكونات الأمة الواحدة بمعناها الحقيقى أشبه بخريطة معقدة مكتملة، وجسدٍ واحد لا يمكن أن يقوم واحدٌ أو مجموعة محدودة من خطوطها بالقيام بما تقوم به الخريطة مجتمعة أو الجسد الواحد. فمقومات الأمة الواحدة هى بمثابة شرايين وأعضاء الجسد إن تم فصل بعضها تعطل الجسد وفسدت فكرة الأمة الواحدة. فإما أن تكون أمة أو لا تكون. لا مكان لنصف أمة أو ربع أمة بواحد أو مجموعة محدودة من الشرايين والأعضاء دون الباقى!

مفهوم الأمة السياسى يختلف تماما عن مفهومها الثقافى والأدبى أو الشعبوى. الأمة بمفهومها السياسى تعنى الأمة المتشاركة فى ملكية أرض دولة ولا يمكن أن يصنع الانتماء القبلى أمة. الأمة بمعناها السياسى هو تحقق جميع المكونات مكتملة وتناغمها معا كوحدة حية على أرض محددة. جسدٌ واحد يحيا على أرض واحدة. والأرض تعرف أصحابها وتظل حرونة على الدخول فى طاعة الغرباء مهما بقوا عليها كرما من أصحابها أو رغما عنهم!   

أما الأمة ثقافيا فقد تعنى التلاقى فى بعض الأهداف والرؤى والمشاعر والقضايا، ولا تمنع من الاختلاف فى الباقى، أو وجود بعض المقومات وانتفاء غالبيتها.

 فلو أن دولة إسلامية طمعت فى أرض أخرى مسلمة يحق لصاحبة الأرض أن تذهب للحرب دفاعا عن أرضها، رغم أن الجميع يصلى نفس الصلاة ناحية نفس القبلة. والمثالية التى يطنطن بها بعض رجال الدين لا وجود لها فى الواقع التاريخى البشرى السياسى.

فمصر مثلا كانت دولة أو أمة راسخة لعشرات القرون قبل المسيحية والإسلام. اعتناق أهلها للمسيحية لم يمنع وقوعهم ضحايا اضطهاد مسيحى. وغزو العرب لها لم يكن سوى حلقة من حلقات الغزو. تغيرت المعتقدات الدينية وبقيت الأمة بمفهومها السياسى الكامل.

 عصر الإمبراطوريات الكبرى المتدثرة بوحدة الدين كان خديعة ليس أكثر. طمع الغرب فى ثروات الشرق فغلف أطماعه بخطاب مسيحى وحاول خداع مسيحيى الشرق بخديعة الأمة المسيحية. طمح العرب وطمعوا فى السيطرة والغزو وإقامة إمبراطورية كبرى فغلفوا حروبهم وغزوهم بخطاب دينى إسلامى. الأرض لا تغير هويتها باعتناق أصحابها لديانات جديدة. يغيرون معتقداتهم وتبقى ديانة الأرض واحدة وهى الولاء لاصحابها! لا دين للأرض إلا ديانة الإنتماء الأصيل المتبادل بينها وبين من يدركون سرها!

الحديث عن الأمة الإسلامية يتطرق لمشاعر دينية والحديث عن الأمة العربية يتطرق إلى اتفاق فى اللغة الأم ليس أكثر. ستبقى القبيلة قبيلة وستبقى الدولة الوطنية دولة وطنية. وستبقى مشاعر كل مجموعة بشرية مختلفة عن الأخرى.

(٣)

 ما هى المشاهد المصرية المعاصرة التى تدعم فكرة الأمة المصرية، وما هى المشاهد التى تعمل على عكس ذلك؟

هناك بعض المصريين الذين دأبوا على مهاجمة الدولة المصرية على مدار عشر سنوات، ولم يعنى لهم ما تقوم به تلك الدولة لشعبها شيئا، ثم فجأة تغير حديثهم بعد أن قدمت مصر ما قدمته للقضية الفلسطينية. بعضهم أعلن فخره بمصر. بعضهم تم تقديمه إعلاميا على بعض شاشات مصرية رغم ثبوت وقوفه ضد مصر فى ذروة معركتها، ثم قدموه بشرعية دوره فى الدفاع عن القضية الفلسطينية وكأن الولاء لمصر يأتى فى مرتبة ثانية!

وكأن تقييمه لمصر وموقفه منها وولائه لها قائم على ما تقدمه مصر فى خدمة قضايا الآخرين! يتطاول على مصر وقواتها المسلحة ثم يتم تقديمه كبطل لجهاده الإعلامى فى بلاد الكاوبوى من أجل قضية فلسطين. مواطنون لم يرفعوا يوما علم مصر فى ذروة معاركها وألمها ومحنتها واكتست صفحاتهم بعلم فلسطين وعرضوا بمصر وهاجموها، ثم فجأة يقدمون شكرهم لمصر على موقفها تجاه قضية فلسطين وكأن دور مصر هو خدمة قضايا الآخرين. هؤلاء ولاؤهم مجروح ومصر تقبع فى ذيل اهتمامهم ولا يحق لهم أن يتصدروا أى مشاهد إعلامية أو فنية. هؤلاء يضربون بقوة فكرة الأمة المصرية.

قادة مؤسسات دينية لم يكن لهم أية ردود أفعال وطنية قوية تجاه ما واجهته مصر من تحديات بينما طغى الحزن والشجن عليهم وعلى صفحات مؤسساتهم الرسمية من أجل فلسطين!

إن جميع هؤلاء لا يؤمنون كما نؤمن بأن مصر أمة مستقلة ويرونها دائما مجرد جزءٍ من كل، وليس الجزء الأهم. لا يكترثون لألمها  أو طموحات شعبها ولا يخوضون معاركها. يثنون عليها حين تقوم بما يتفق مع ما يدافعون عنه من قضايا غير مصرية. غضبوا لفلسطين وغزة ولم يغضبوا لتهديد أرض مصر. شكروا قيادة مصر على دورها فى دعم فلسطين وقذفوا نفس القيادة حين كانت تخوض معاركها المصرية!  

(٤)

الإنتماء لا تصنعه أوراق هوية رسمية، إنما هو مكونٌ أصيل فى الشخصية مثل الدم الذى يسرى فى العروق. الذين تعاملوا مع انتمائهم لمصر بمنطق ورقة جنسية هم فى الأساس معطوبون وطنيا. كانوا ينتظرون فرصة أن تُقدم لهم عروض شراءٍ مغرية. هؤلاء مثل الذين كانوا يتعاونون مع قوات الإنجليز أثناء احتلالها لمصر. هؤلاء لم يعتنقوا ولم يتم تربيتهم منذ الصغر على قيم الولاء. بمجرد أن حصلوا على المقابل أخرجوا كل ما كانوا يخفونه من أحقاد ضد مصر وباتوا يفتشون عما يتوهمون أنه مواطن سوء مصرية لنشرها على رؤوس الأشهاد. هم ليسوا مصريى الهوى حتى وإن حملوا سابقا أو احتفظوا حاليا بأوراق هويتها. لم يروا فى الوطنية ما يغرى للإيمان بها، ووصفوها بأنها (ما تأكلش عيش!)

 ولم يروا فى صوفية مصر سوى مشاهد بعض البسطاء، ولم يفهموا أن أفكارا مثل الصوفية والرهبنة – بما لها وعليها - هى مكونات أصيلة فى الشخصية المصرية. ولم يتوقفوا مثلا عند حقيقة وجود هذا العدد الهائل من الأضرحة ومقامات الأولياء وآل بيت النبوة والقديسين بطول مصر وعرضها. ولم يفهموا حتى رائعة قنديل أم هاشم! الغرض مرض!

 ومن يحمل السوء فى قلبه لمصر أو استقر على بيع قلبه ولسانه لمن يريد تقزيمها والنيل وهما من قامتها لا حاجة لنا للتوقف أمام تقافزه أمام الشاشات، فما أكثر ما نشاهده من قرود إعلامية هذه الأيام ممن جعلوا من محاولة الشب لمطاولة القامة المصرية هدفا وغاية! لكن لا كثرة التقافز والصراخ سيغير من حقيقة أنهم قرود مؤجرون شيئا، ولا كثرة الساقطين فى فخ التصفيق لهم سينال من قامة وحقيقة أن الأمة المصرية هى الوحيدة المستحقة للقب أمة بشكل حقيقى فى هذه المنطقة!

(٥)

بعض القنوات المصرية – سواء التابعة لماسبيرو أو القنوات الخاصة أو التابعة لشركات وطنية مهمة – أصبحت لغزا حقيقيا فى محتوى بعض ما تبثه. عصر يوم ١٦ أكتوبر فوجئت بصدمة على شاشة قناة النيل للأخبار. فاصل بعنوان حدث فى مثل هذا اليوم. عنوانٌ بالبنط العريض (حدث فى مثل هذا اليوم عام ٢٠٢٤ استشهاد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسى لحركة حماس!).

من المفترض أن تكون هذه الأيام حصرية على الاحتفال بمعارك نصر مصر فى حرب أكتوبر. السنوار هو القائد المسؤل عن كل الكوارث التى ضربت منطقة الشرق الأوسط فى آخر عامين ودفعت مصر ثمنا باهظا لها. هُددت مصرُ فى أرضها وحدودها وخسرت اقتصاديا. بعض أفراد عائلته شاركوا بشكلٍ مباشر فى الاعتداء على مصر ومواجهة القوات المسلحة المصرية فى سيناء. السنوار نفسه استهان بدماء سكان القطاع ورفض محاولات مصر لوقف الإبادة، واعترف بارتكاب مشاهدٍ لا علاقة لها بمقاومة أو إسلام يوم السابع من أكتوبر. حركة حماس أضرت بمصر. أول ما جال بخاطرى أننى تخيلت أم أحد الشهداء المصريين الذى استشهدوا فى مواجهة أعضاء الحركة وهى تشاهد هذا الفاصل. أى قهرٍ يمكن أن تكون قد شعرت به هذه الأم المصرية؟!

هل يعجر القائمون على قنوات مصر الإخبارية الرسمية عن إدراك مواقف بديهية؟ هل لا يفرقون بين موقف مصر من مساندة أهل القطاع، وبين موقفها من رجلٍ تلوثت أيدى جماعته - وهو فى الصف الأول من قيادتها - بدماء شهداء مصر؟ أم أن بعض هؤلاء المسؤلين هم من المؤمنين بفكر جماعة الإخوان يمررون خلسة بعض ما يؤمنون به ويصدمون المصريين به؟!

قناة مصرية أخرى استضاف مذيعها الشهير المسن سيدة مصرية كانت ممن حملت صورة الرئيس الخائن وسافرت لعاصمة تلك الدولة التى احتضنت كل خونة الجماعة! بعد ثورة المصريين على وسائل التواصل ضد القناة ومذيعها تراجعت القناة عن إذاعة الحلقة. لكن يبقى السؤال قائما عن هوية هؤلاء القائمين على تلك البرامج. وماذا لو لم ينتبه المصريون ولم يشنوا هذه الحملة لوقف الحلقة؟!

قناة أخرى تلح بفجاجة على المصريين لمشاهدة تلك الحلقة للأراجوز الذى سب قوات مصر المسلحة ثم استضافوه بحجة موقفه فى الدفاع عن (القضية الفلسطينية!) فهل يجبّ الدفاعُ عن فلسطين جريمة سب القوات المسلحة المصرية؟!

فى شهر أكتوبر نسبة إذاعة الأعمال الدرامية الوطنية على قنوات النيل الرسمية الدرامية لا تتعدى عشرين بالمائة من باقى الأعمال! هذه القنوات أصبحت فى حاجة لمراجعة شاملة وما تقدمه من محتوى فى سبيل تقوية مصطلح (الأمة المصرية!) ما الذى يؤمن به القائمون على تلك القنوات فيما يخص هذا الشعار الحتمى؟!

فى تصريح غريب على لسان اللواء المصرى السابق إبراهيم الدويرى قال أن مصر هى من اشترطت الإفراج عن السنوار عام ٢٠٠٧م!

 لماذا هذا التصريح الآن؟ وما الذى يمكن أن ينقله من رسائل للمصريين الذين لم يكونوا وقتها من متابعى ما يحدث فى هذا الملف؟! هذا التصريح يجرح مشاعر هؤلاء المصريين.

 حتى لو فعلت مصر ذلك وقتها فلقد فعلته فى سياق معين وظروف معينة وثبت فيما بعد – لو كان قد حدث فعلا – أنه قرارٌ خاطىء أو شهامة مصرية مع من لا يستحق! تصريحات بعض من تولوا مثل تلك المناصب يجب أن تكون أكثر كياسة ومحسوبة بالشعرة!

(٦)

كيف قرأ البعض تصريحات الرئيس السيسى الأخيرة فيما يخص قصة إعادة إعمار غزة؟

أعتقد أن كثيرين لم يقرأوا التصريحات قراءة صحيحة وغاب عنهم قراءة التصريحات كاملة. تحدث الرئيس عن اهتمام إدارته بالرأى العام المصرى. كما لم يطلب من المصريين تحديدا جمع تبرعات أو ألزمهم بكذلك أو أعلن قيام الدولة المصرية بتحمل هذه التكلفة، إنما تحدث الرجل عن حقيقة الوضع فى القطاع وحجم الدمار وتحدث عن وجوب وجود آلية مصرية لإدارة أموال التبرعات. لو استرجع هؤلاء خطابات الرئيس السابقة التى كان قد وجهها للمصريين فى مناسبات مثل مشروع قناة السويس أو صندوق تحيا مصر لأدركوا الفارق بين كل ذلك وبين حديثه عن إعادة إعمار غزة. ففيما يخص قضايا الأمة المصرية كان خطابه موجها مباشرة للمصريين بوجوب تحمل مسؤلياتهم تجاه أمتهم المصرية. أما حديثه عن إعادة إعمار غزة فلقد كان موجها لجميع الشعوب والدول.

بعض دول المنطقة الثرية كانت سببا مباشرا فيما حدث فى العامين الأخيرين وذلك بمساندتها للجماعة فى القطاع وإمدادها بالمال والقيام بدور الذراع الإعلامى لها حتى تسببت تلك الجماعة أو الحركة فيما آلت إليه الأحوال فى القطاع. هذه الدول ترفض الآن المساهمة فى أعادة إعمار القطاع حتى لا يعملون تحت قيادة مصرية. فى آخر إعمار للقطاع قامت مصر تقريبا بتحمل التكلفة كاملة ثم تم تدمير القطاع. الفلسطينيون وعلى رأسهم أهل القطاع والسلطة مسؤلون بشكل ضمنى – مع تلك الدول – عما جرى. بقاء وضع وهيمنة الجماعة أو الحركة على بعض أرض القطاع بشكل معين يعنى أن احتمال تدمير القطاع بعد إعماره قائمٌ بقوة. لقد تحمل المصريون فى شرف الكثير منذ آخر إعادة إعمار وحتى اليوم. فلماذا يكون على المصريين التحمل مجددا مع بقاء احتمال إعادة التدمير قائما؟ وماذا عن دور الشعب الفلسطينى وسلطته وفصائله فى حسم مواقفهم من الحركة قبل الإعمار؟ يقول مسؤل فلسطينى من السلطة فى تصريح على قناة القاهرة الإخبارية أن حماس جزء من الشعب الفلسطينى ولا مجال لإخراجها! ما الذى يعنيه هذا؟ إذا استقر الجانب الفلسطينى على ذلك فلماذا نخاطر بمزيدٍ من مقدرات الامة المصرية؟! الأمة المصرية فى حاجة الآن إلى بعض الأنانية والعدل من جانب الجميع. الدولة المصرية هى أول من يدرك تلك الحقائق وجاء حديث السيسى ليضع كل تلك الأطراف أمام مسؤلياتها.

 من حق مصر الآن أن تقود المشهد أكثر من القيام بدفع فواتير اقتصادية مجددة. من حق مصر بعد ما قدمته أن تقوم بالإشراف على إعادة الإعمار – بعد حسم موقف الحركة بما يضمن عدم هدم القطاع مجددا – لا أن تدفع ثمن إعادة الإعمار. أعتقد أن  الدولة المصرية الآن تخاطب كل الاثرياء من أفراد النخبة من إعلاميين وفنانين وغيرهم ممن زايدوا على مواقف مصر بأن يقتطعوا جزءً من ثرواتهم لإعادة الإعمار! وتخاطب الدول التى ظلت تطنطن على مدار عامين لفتح المعبر بأن تعلن عن المبالغ التى ستقدمها تحت رعاية مصرية لإعادة الإعمار! لقد قرأتُ خطاب الرئيس بهذا الشكل. على الذين قضوا العامين الأخيرين فى منافسة بعضهم البعض على المزايدة على مصر والمتاجرة بجوع أهل القطاع أن يقوموا الآن بالتبرع بعد أن شرعت مصر فى تدشين آلية لجمع هذه التبرعات والإشراف على إنفاقها فى موضعها الصحيح. ألم يقوموا بمظاهرات لكسر الحصار وإيصال المساعدات؟! فها هى مصر تمنحهم هذه الآلية. ألم يقوموا قبل ذلك بابتكار آليات عبثية مثل إلقاء الزجاجات المليئة بالحبوب فى البحر لتصل بقوة دفع التيار لشواطىء غزة؟! ألم يرسلوا أساطيل الصمود لكسر الحصار؟! فها هو الباب مفتوح على مصراعيه فأين تبرعاتهم وأموالهم؟

لم يطلب الرئيس السيسى من المصريين مجددا وحصريا ما قاموا به بالفعل على مدار عامين وبلادهم تُقذف بالسباب. لكن من يريد من المصريين ذلك فأهلا بكرمهم فى إطار أنه قرار شخصى.

 وربما تكون تلك فرصة طيبة لهؤلاء الذين اكتظت صفحاتهم بصور مأساة غزة واعلام فلسطين أن يترجموا (شحتفتهم) على صفحات السوشيال ميديا إلى أموال تعيد الحياة للقطاع!

الذين تجمعوا وهتفوا على سلالم نقابة الصحفيين والذين اتهمونا بالسقوط فى اختبار غزة والذين تقمصوا دور الضمير على صفحات السوشيال ميديا من مثقفين وفنانيين ونشطاء يساريين عروبيين، على كل هؤلاء أن يثبتوا أنهم ليسوا ممن يقولون ما لا يفعلون!

(٧)

لقد كان زعماء مصر المعاصرين – ناصر والسادات والسيسى – أول من أدركوا حقيقة أن مصر أمة وأنهم يتحملون مسؤلية تحقيق هذا الحقيقة على الأرض.

 لقد أدركها ناصر بعد مأساة ٦٧ ووثق إدراكه فى أحاديث وأفعال. استمعنا للأحاديث فى الأعوام الاخيرة. وقرأنا تاريخ الافعال فى صفحات التاريخ منذ معركة رأس العش مرورا بحرب الاستنزاف ووصولا لخطط إعادة بناء قوات الامة المسلحة استعدادا لمعركة العبور.

كما أدرك تلك الحقيقة بشكلٍ أقوى الشهيد السادات وصاغ على ضوئها قراراته كلها بدءً من التخطيط المصرى الخالص للمعركة وصولا لقرارات السلام. حتى مبارك – رغم كل أخطاء فترته - أدركها وعمل على الحفاظ عليها بالحفاظ على قرار مصر وطنيا خالصا وعدم الزج بها فى غير ما يصب فى صالح تلك الأمة.

ثم نصل لنقطة توهج إدراك القيادة المصرية لهذه الحقيقة مع الرئيس السيسى الذى كان واضحا فى التعبير عنها بخطابه دائما للمصريين بعبارات مثل (يا مصريين.. حافظوا على بلدكم.. اللى هيفكر يقربلها هشيله من وش الدنيا.. هنخليها أد الدنيا.. لازم نتحمل علشانها)

كما انتهج خطا مصريا خالصا فى تبنيه لقضايا الهوية المصرية وتمصير الخطاب الدينى وحتى فى الهوية البصرية المعمارية للمؤسسات المصرية السيادية وفى استقباله رسميا فى موكبٍ مهيب لجثامين ملوك مصر العظام حين تم نقلهم لمتحف الحضارة.

وأزعم أنه كان لى شرف المبادرة فى تقديم مصطلح (نحن – المصريين – أمة) منذ خمس سنوات فى فصلٍ كامل بالكتاب الأسود وعبر عدة مقالات صحفية. ولقد وجدتُ ضالتى فى خطاب الرئيس السيسى للمصريين بتلك العبارات النافذة المعبرة. لم أرد بهذا أن تنسلخ مصر عن ديانتها أو ردائها اللغوى. لم يكن خطابى إلا تأكيدا على ما استقر فى وجدان قيادات مصر الوطنية المتعاقبة. مصر أمة بمفردها ومن حق هذه الأمة الآن أن يؤمن باستقلاليتها وتفردها وعظمتها كل أبنائها.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق