تحت عنوان أو شعار «عالم فى تغير وقارة فى حراك: مسيرة تقدم إفريقيا فى ظل التحولات العالمية»، انطلقت أمس الأحد، الدورة الخامسة من «منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين»، ولعلك لاحظت، كما لاحظ الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن هذا العنوان أو الشعار، يعكس بوضوح كيف باتت القارة الإفريقية فى قلب ما يشهده النظام العالمى من اختبارات عسيرة. وسنترك لك استخلاص ما يعكسه عنوان الجلسة الافتتاحية: «تخطّى مفترق الطرق: استعادة الثقة فى النظام الدولى القائم على القواعد».
سعيًا إلى ربط السلم والأمن بالتنمية المستدامة، فى القارة السمراء، وفى محاولة جادة لإيجاد حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية، أطلقت مصر، الدورة الأولى للمنتدى خلال رئاستها للاتحاد الإفريقى، سنة ٢٠١٩، الذى جعلته نتائجه ومخرجاته، «خلاصات أسوان» التى يصدرها، منصة إفريقية فريدة، لتناول التهديدات والتحديات، الداخلية والخارجية، التى تواجه دول القارة، والتوصل إلى رؤى مُشتركة لسُبل مواجهتها، وترسيخ دور إفريقيا كشريك فاعل فى النقاشات الدولية حول مستقبل التعاون والحوكمة العالمية و... و... ودعم جهود تحقيق السلام، استنادًا إلى عدة مبادئ أساسية أبرزها المنفعة المتبادلة واحترام السيادة الوطنية.
طوال نسخه الأربع، ركز «منتدى أسوان»، على جهود إحلال السلم والأمن ودفع جهود التنمية، انطلاقًا من رؤية مصر الشاملة لمعالجة مسببات الإرهاب وجذوره، التى لا تقتصر فقط على البعد الأمنى، بل تركز أيضًا على المحور الوقائى. واستكمالًا للدعم، الذى يقدمه المنتدى لبناء قدرات الدول الشقيقة، شهدت نسخته الرابعة، السابقة، إطلاق «شبكة إفريقية لمنع التطرف المؤدى للإرهاب»، التى جمعت كل مراكز ومنظمات دول القارة المعنية بتطوير الأبحاث والسياسات والأطر المفاهيمية المتعلقة بمواجهة الإرهاب.
مع ملفات الاستثمار فى البنية التحتية والممرات الاستراتيجية، ودور القطاع الخاص والشراكات المبتكرة فى تحقيق أهداف التنمية، تولى هذه الدورة اهتمامًا خاصًا بالمرأة والشباب، فى ظل تزامن هذه الدورة، مع مرور ٢٥ سنة على أجندة المرأة والسلم والأمن، و١٠ سنوات على أجندة الشباب والسلم والأمن. وانطلاقًا من رؤية شاملة للتعامل مع التحديات المختلفة، تركز النسخة الحالية من المنتدى، كذلك، على أبرز التحديات الأمنية القائمة والبازغة فى إفريقيا، وأنجح السبل فى التعامل معها، ودعم جهود إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات، وهو الملف الذى يتولى الرئيس السيسى ريادته فى الاتحاد الإفريقى.
يقام المنتدى، كما لعلك تعرف، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أشار فى كلمته الافتتاحية، المسجلة، إلى عجز وإخفاق المجتمع الدولى، فى مواجهة أزمات إنسانية كبرى، وانتقائية ومعايير مزدوجة، فى حماية القيم والمبادئ الإنسانية، وانتهاكات مستمرة للقانون الدولى، وتفاقم الاستقطاب، الذى أضعف بدوره، قدرة المؤسسات المتعددة الأطراف على أداء مهامها، وتعطيل جهود إصلاحها، إضافة إلى إخفاق المجتمع الدولى، فى الوفاء بتعهداته تجاه الدول النامية، سواء فى تخفيف أعباء الديون أو فى تمويل المناخ.
قارتنا الإفريقية، بوصف، أو تشخيص، الرئيس، تقف فى صدارة المتأثرين من هذه الظروف الدولية، ما يسهم فى تأجيج النزاعات والعنف، وزيادة التنافس على الموارد، وتعميق التحديات الإنمائية، وعرقلة مسيرة السلام والتنمية المستدامين، هذا إلى جانب التحديات المزمنة والمتجددة التى تواجهها القارة، سواء بفعل أزمات داخلية، أو تدخلات خارجية تضعف سلطة الدولة، إضافة إلى تفشى الإرهاب، وارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتهديدات المتنامية فى مجالات الأمن السيبرانى وتغير المناخ، بما له من انعكاسات سلبية مباشرة، على الأمن الغذائى والمائى.
.. وأخيرًا، نرى أن الدولة المصرية لديها رؤية شاملة ومتوازنة لربط الأمن المستدام بالتنمية الشاملة، يترجمها أو يعكسها دورها الفاعل فى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى، ومشاركتها النشطة فى «حركة عدم الانحياز» و«مجموعة الـ٧٧» وتجمع «بريكس»، ومجموعة العشرين، ولا نعتقد أننا نضيف جديدًا، لو قلنا إن مصر تسعى دائمًا إلى بناء شراكات إقليمية ودولية بنّاءة، وتدعو باستمرار إلى نظام دولى متعدد الأطراف أكثر شمولًا وعدلًا، من النظام القائم.
0 تعليق