السبت 18/أكتوبر/2025 - 08:31 م 10/18/2025 8:31:34 PM
تابعت الجلسة الإجرائية الأولى لمجلس الشيوخ المصري والتي تم خلالها أداء السادة النواب لليمين الدستورية، وما تبعه من التصويت على انتخاب رئيس المجلس ووكيليه. بالطبع، لا ينبغي – من وجهة نظري - أن نبادر برصد أية ملحوظات سلبية على أداء النواب خلال تلك الجلسة، هكذا مبكرا، فالملاحظ أن معظم السادة النواب نراهم تحت القبة للمرة الأولى. ومن ثم، فإنه من الطبيعي أن يكون الأداء مضطربا نسبيا وخاصة من ناحية المهارات اللغوية والقدرات الأدائية.
وبهذه المناسبة، أثني على حرص السياسي المخضرم النائب محمد أبو العلا رئيس الحزب الناصري ورئيس الجلسة الإجرائية، بحكم كونه أكبر الأعضاء سنا، حرصه على مراجعة النواب الذين تعثروا في أداء نص القسم تعثرا يخل بصحة العضوية. من ذلك ما علّق عليه الإذاعي الكبير حازم طه مثلا من نطق كلمة " أقسم" بفتح الألف وضم السين، على عكس الصحيح من ضم الألف وكسر السين. وقد استفاض الأستاذ طه في توضيح القاعدة اللغوية بقوله: الفعل المضارع المزيد بالهمزة يكون مضارعه مضموم الياء.
اهتمام أكبر ينبغي أن يوليه السادة النواب باللغة العربية أداء وإلقاء، بقدر اهتمامهم بمراجعة لائحة المجلس الداخلية وقانون المجلس. بالطبع، لا أرى في هذا عيبا على الإطلاق، بل هو مزيد من الاحترام للشعب الذي اختار النائب خلال الانتخاب الحر المباشر، ثم هو اليوم وغدا سيكون مهتما كذلك بمتابعة الأداء الرقابي والنيابي والسياسي بل واللغوي أيضا للنواب. إذ يُفترض في شيوخ البرلمان أن يكونوا قدوة في كل هذا لزملائهم في مجلس النواب الذين تجري عملية انتخابهم حاليا، علما بأن ثلث أعضاء الشيوخ من المعينين بحكم كونهم من ذوي الكفاءة والخبرة.
وبعيدا عما سبق، أصارحكم بسبب كتابتي لهذا المقال اليوم، إذ وجدت وأنا أتابع سير الجلسة صورة محترمة ومقدرة تستحق الثناء والتقدير لهذه الكفاءات التي تمثل الدولة العميقة – أو بالأحرى هي الدولة العريقة - التي حفظت لمصر وجودها خلال فترات الاضطراب الماضية. لقد تابع الجميع دقة وكفاءة السادة أعضاء الأمانة العامة لمجلس الشيوخ برئاسة المستشار محمود عتمان أمين عام المجلس.
سلاسة في الأداء ورقي في التعامل ومتابعة لكل صغيرة وكبيرة ومعرفة تامة جدا بقواعد البروتوكول، يغلف هذا كله خبرة واسعة بما ينبغي القيام به في الجلسات الإجرائية والتي أراها الأصعب على الإطلاق في مهمة الأمانات العامة للمجالس النيابية. يُعظم من أهمية هذا الدور في هكذا جلسات، عدم معرفة النواب الجدد بقواعد العمل والبروتوكول في المجلس، وعدم معرفة أعضاء الأمانة بمعظم النواب. لقد تابعنا – عبر الشاشات – حرص أعضاء الأمانة العامة للمجلس على ترتيب وتنظيم عملية قيام النواب بأداء اليمين الدستوري، وتنبيههم بمن يحل عليه الدور لأداء اليمين، وهو الأمر الذي جرى باحترافية شديدة.استمر الأداء الراقي للأمانة أيضا خلال عملية انتخاب الرئيس والوكيلين، فقد تم تصويت النواب وهم في أماكنهم، الأمر الذي وفّر وقتا كبيرا كان يمكن أن يهدر، وهو ما حافظ في ذات الوقت على النظام داخل الجلسة.
إن مواقف صغيرة كهذه – أو هكذا يُقيمها البعض – لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، لأنها ذات دلالات واضحة على رقي ورسوخ التجربة البرلمانية المصرية. ثم يأتي بعد ذلك حديث جدلي حول ترشح المستشار عصام الدين فريد لرئاسة المجلس منفردا – دون منافس – ومن ثم فوزه بإجمالي الأصوات، ومن بعده ترشح السيد اللواء أحمد العوضي والمستشار فارس سعد على منصبي الوكيلين وقد فازا أيضا بثقة كافة النواب، إذ لم يترشح أمامهما أي من الأعضاء. رأيي أن عدم ترشح منافسين للقيادة الجديدة للمجلس يعبر عن التزام حزبي من الأعضاء وإدراك لدور كل حزب وكتلته التصويتية ومزيد من معرفة متطلبات المرحلة، غير أن المنافسة على قيادة مجلس النواب بل حتى على عضويته سيكون أمرها مختلفا تماما فيما أتوقعه وسنراه بعد أسابيع قليلة قادمة إن شاء الله.
إن مجلسا برلمانيا مصريا يمثل الغرفة الثانية للبرلمان لابد أن يأتي أداء كل منسوبيه، سواء من الأمانة العامة أو الأعضاء،بهذا القدر من الرصانة والدقة، خاصة حين نعرف أن الممارسة البرلمانية في مصر قد بدأت منذ عام 1866. وهكذا تؤكد مصر من جديد ويثبت رجالها من الأكفاء المخلصين عراقة مؤسسات دولتنا، واحترافية خبرات رجالها، ما يجعلهم موضع اهتمام كثير من المجالس والهيئات العربية والدولية ومطمعا دائما للاستفادة بخبراتهم النادرة.
0 تعليق