في الوقت الذي تتقاطع فيه أنابيب الغاز عبر المتوسط، وتتنافس الموانئ على تصدير الطاقة إلى العالم، كانت القاهرة تخوض معركة توازن دقيقة بين استيراد وتصدير الغاز المسال، فبينما تشتد الحاجة داخليًا، تواصل مصر ترسيخ موقعها مركزًا محوريًا للطاقة في الشرق الأوسط.
أكبر صفقات الغاز المسال في مصر خلال 9 أشهر
شهدت الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 حراكًا غير مسبوق في ملف الغاز المسال المصري، إذ تباينت الاتجاهات بين السعي لتأمين احتياجات السوق المحلية وإبرام صفقات تصديرية محدودة، وهذه التحركات تعكس بوضوح التحديات التي تواجهها الدولة في تحقيق المعادلة الصعبة بين الإنتاج المحلي والطلب المتصاعد.
شحنات نادرة للتصدير
اضطرت القاهرة إلى الجمع بين التصدير والاستيراد بعد أن كانت مصدّرًا صافيًا حتى عام 2023، في ظل ارتفاع احتياجات الكهرباء ودفع الحكومة نحو توقيع عقود مع شركات عالمية لتأمين الغاز اللازم للمحطات، سواء عبر الشحنات أو عبر الوحدات العائمة.
كبرى مشاريع البنية التحتية للطاقة الإقليمية
في يناير 2025، برز فوز تحالف مصري بعقد ضخم ضمن مشروع "الرويس للغاز المسال" في الإمارات، بقيمة تقارب 2.1 مليار دولار، و هذه الصفقة لم تقتصر على بعدها الاقتصادي فحسب، بل شكّلت إعلانًا عن حضور الشركات المصرية في كبرى مشاريع البنية التحتية للطاقة الإقليمية، لتؤكد أن القاهرة ليست مجرد سوق، بل شريك إقليمي في صناعة الغاز.
ثم جاء شهر مارس ليحمل صفقة نوعية جديدة، بعد أن توصلت مصر إلى اتفاق مبدئي مع شركة "إكسيليريت إنرجي" الأميركية لاستئجار سفينة إعادة تغويز عائمة، في خطوة تعزز مرونة الإمدادات وتمنح البلاد قدرة أكبر على مواجهة ارتفاع الطلب، مدعومة ببنية تحتية قادرة على التوسع في الاستيراد والتصدير معًا.
وفي مايو، أبحرت أول شحنة مصرية من الغاز المسال إلى آسيا منذ توقف التصدير في 2024، حاملة نحو 48 ألف طن. هذه الشحنة أعادت مصر مجددًا إلى خريطة المصدرين بعد عام من الغياب القسري بسبب أزمة الكهرباء، لتؤكد قدرة القاهرة على استعادة دورها تدريجيًا في الأسواق العالمية.
الشهر ذاته شهد توقيع اتفاق لإنشاء محطة عائمة جديدة لاستيراد الغاز المسال بالشراكة مع شركة "هوغ إيفي"، حيث تقرر نشر السفينة "هوغ غاندريا" في ميناء سوميد عام 2026، لتصبح رابع محطة من نوعها في البلاد. الصفقة تمثل خطوة إستراتيجية لضمان استقرار الإمدادات على المدى الطويل.
وخلال يونيو 2025، توسعت القاهرة في شراء أكثر من 125 شحنة سنويًا من شركات كبرى مثل أرامكو السعودية وترافيغورا وفيتول وشل، في إطار خطة لتغطية الطلب الصيفي المرتفع وضمان استقرار الشبكة الكهربائية. هذه الشراكات أبرزت أيضًا عودة البعد العربي في التعاون بمجال الطاقة.
وفي سبتمبر، أثارت شحنة غاز غادرت محطة إدكو متجهة إلى إسبانيا اهتمام الأسواق، إذ جاءت في وقت كانت مصر تستورد الغاز لتغطية احتياجاتها المحلية. لكنها عكست مرونة منظومة الغاز المصرية، القادرة على تلبية السوقين المحلية والعالمية في آن واحد.
هكذا، بين صفقات توريد واستيراد وتصدير، تثبت مصر قدرتها على البقاء لاعبًا فاعلًا في سوق الغاز العالمي، مستفيدة من بنيتها التحتية القوية وموقعها الإستراتيجي في قلب شرق المتوسط.
0 تعليق