الحوار وقضية الدعم.. خطوة على الطريق الصحيح

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إن قضية الدعم تعد من أهم القضايا والملفات وتزداد أهميتها لارتباطها بشكل مباشر بملايين المواطنين والفئات الأكثر احتياجا ومحدودي الدخل والفقراء، والظروف الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، ففي ظل الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة بسبب تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية إلا أن الدولة كانت وستظل حريصة على أن يصل الدعم إلى الفئات المستحقة.

وفي ضوء ذلك يثار الحديث من حين لآخر عن الدعم ومدى أهميته وإمكانية تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي، وطرح الأسباب الوجيهة لتفضبل أي منهما على الآخر، والهدف واحد وهو تحقيق الصالح العام للوطن والمواطن، بأن يصل الدعم إلى مستحقيه وحوكمة منظومة الدعم والتصدي لأي أوجه قصور أو فساد تمنع وصول الدعم للمستحقين أو حصول غير المستحق عليه.

ونظرًا للأهمية الملحة والقصوى لهذا الملف الحيوي تولي القيادة السياسية اهتماما كبيرا به وتم توجيه الحكومة لدراسة هذا الملف بكل أبعاده وجوانبه، وتعزيزا لفكرة الحوار والاستماع إلى وجهات النظر كافة أحالت الحكومة مناقشة قضية الدعم إلى الحوار الوطني لفتح نقاش موسع حوله ورفع التوصيات بشأنه إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي لاتخاذ اللازم.

ولذلك جاءت الخطوة المهمة من مجلس أمناء الحوار الوطني بإعلان بدء الاستعدادات لمناقشة قضية الدعم، وأنه سوف يعقد اجتماعا يوم الاثنين 30 سبتمبر، ستتم دعوة المقرر العام والمقرر العام المساعد للمحور الاقتصادي له، لاستعراض وإقرار الإجراءات المطلوبة لضمان مناقشة القضية من كافة جوانبها، وعلى نطاق واسع يضمن مشاركة جميع المعنيين من خبراء ومتخصصين وجهات سياسية ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية، والحقيقة أثمن هذه الخطوة المهمة والتي تؤكد حرص الدولة على مصلحة المواطن وحوكمة منظومة الدعم، بجانب الحرص على الاستماع إلى الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين وجميع المعنيين بهذا الملف، بالإضافة إلى التعامل معه بتجرد وحياد من القائمين على إدارة الحوار الوطني دون الميل لتطبيق أحد النظامين العيني أو النقدي، ليكون دوره هو توفير بيئة حوارية تتسع لمشاركة كل الأراء والمقترحات وللوصول لتوصيات تعبر عن كافة مدارس الفكر والعمل في مصر، يتم رفعها لرئيس الجمهورية.

فإن إعلان الحوار الوطني إدراج قضية التحول للدعم النقدي على طاولة المناقشات المرحلة المقبلة، فرصة حقيقية لتحقيق توازن بين مصلحة المواطنين محدودي الدخل وتحقيق إدارة أكثر كفاءة لموارد الدولة، كما أن تطبيق التحول من الدعم العيني إلى النقدي، وفقا لدراسات ومزيد من المناقشات وطرح مختلف الآراء ووجهات النظر بحضور ومشاركة خبراء ومتخصصين على مائدة الحوار الوطني، يضمن دعمًا أكثر استهدافًا وفعالية، ويسهم في اختيار النظام الأفضل للدعم لحماية حقوق الفئات الأكثر احتياجا والأولى بالرعاية وعدم إهدار موارد الدولة.

ومن وجهة نظري فإن التحول إلى الدعم النقدي أفضل لأنه سيُعزز من العدالة والحماية الاجتماعية للمستحقين، ويوفر للمواطن البسيط القدرة على اختيار كيفية إنفاق هذا الدعم بناءً على احتياجاته الفعلية، على العكس من النظام العيني الحالي، ففيه تحدد الدولة نوع السلع والخدمات المدعومة، كما أن الدعم النقدي يتيح للمواطن مرونة أكبر في إدارة نفقاته واختيار ما يناسب أسرته، سواء كان ذلك في شراء الطعام أو تسديد فواتير أو تلبية احتياجات أخرى ملحة، بهذه الطريقة، يشعر المواطن بتمكين حقيقي وحرية اقتصادية له في شراء ما يحتاجه ويضمن للدولة وصول الدعم للمستحقين الفعليين.

والتحول إلى الدعم النقدي، بإلغاء الدعم العيني للسلع الأساسية والغذائية والتموينية والخبز ليصبح دعم نقدي، سيؤدي إلى حوكمة منظومة الدعم السلعي ووصول الدعم للمستحقين، والأمر يتطلب تشديد الرقابة وإعداد قاعدة بيانات دقيقة لمستحقي الدعم.

ولعل من أبرز مميزات الدعم النقدي أنه يتم تحويل الأموال مباشرة إلى المستفيدين، مما يقلل من التكاليف والهدر، ويؤدي إلى وصول الدعم للمستحقين فقط والحد من الفساد، وخفض معدل الفقر ودعم الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا، فضلًا عن المساعدة على تمكين المرأة اقتصاديا 
وتحويل الأسر متلقية الدعم الى أسر منتجة تعتمد على نفسها فى إيجاد مصدر دخل، مما يساهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز ثقافة الإنتاج لدى المواطنين وترشيد الاستهلاك، وكذلك الاستثمار فى رأس المال البشري والارتقاء بالمستوى التعليمي لأفراد الأسرة.

الدعم النقدي يساعد تحقيق الضمان الاجتماعي للأسر والمساهمة فى تحقيق الأمن المجتمعي، فضلا عن تحسين مستوى تغذية الأطفال الصغار والرعاية الصحية للأم والطفل، وإنهاء الدعم النقدى للأسر التى حدث لها تغير إيجابى فى مستوى المعيشة وتحولت إلى أسر منتجة، وبالتالي يحافظ على موارد الدولة ويمنع إهدارها، ويُسهم في تقوية الاقتصاد وتحسين معيشة المواطنين بشكل مباشر، وهو ما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

لذلك هناك ضرورة ملحة للعمل على سرعة حوكمة منظومة الدعم وضمان وصوله لمستحقيه من خلال سرعة الانتهاء من حوكمة المنظومة وتفعيل التحول الرقمي والميكنة، وإعداد قاعدة بيانات دقيقة لمستحقي الدعم، وحوكمة منظومة إصدار البطاقات التموينية، واستكمال استخراج البطاقات التموينية وإضافة المواليد الجدد بالنسبة للفئات الأكثر احتياجًا.

كما أن هناك تجارب لدول طبقت الدعم النقدي بدلًا من الدعم العيني، ويمكن الاستفادة من إيجابيات هذه التجارب، ومنها البرازيل، المكسيك، كينيا، الهند، وولدينا في مصر تجربة الدعم النقدي من خلال برنامج "تكافل وكرامة" والضمان الاجتماعي، ويمكن البناء على هذه التجربة مع تدقيق بيانات المستحقين وحصرهم.

ورغم ذلك لا يختلف أحد على أن التحول إلى فلسفة الدعم النقدي بدلًا من الدعم العيني يحتاج إلى نقاش واسع، حيث يتعلق بإعادة هيكلة نظام الدعم الحكومي لتوزيع الموارد بشكل أكثر كفاءة وعدالة، وهو ما يتطلب إجراء دراسة وافية تتضمن استعراضًا لمزايا وعيوب كل من الدعم العيني والدعم النقدي، وسبل التحول، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منه، وتجنب أي تداعيات سلبية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق