أثارت مناقشات تشريع جديد فى بريطانيا يسمح بالموت الرحيم للمرضى المصابين بأمراض عضال، موجة واسعة من الجدل والقلق، بعد تحذيرات أطلقتها رئيسة أساقفة كانتربرى الجديدة، من أن القانون قد يدفع مرضى السرطان لاختيار الموت بدلًا من استكمال العلاج، خاصة فى ظل غياب ضمانات كافية تحمى الفئات الأكثر ضعفًا فى المجتمع.
وقالت سارة مولالي، رئيسة أساقفة كانتربرى، إن مشروع القانون المقترح، الذى يتيح للبالغين فى إنجلترا وويلز، ممن يُتوقع ألا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر بسبب المرض، الحصول على مساعدة طبية لإنهاء حياتهم، يفتقر إلى الضمانات الأخلاقية والإنسانية اللازمة، محذرة من آثاره الاجتماعية والنفسية بعيدة المدى.
وكان مجلس العموم البريطانى قد أقر فى وقت سابق من العام الجارى مشروع قانون «نهاية الحياة» الخاص بالبالغين المصابين بأمراض عضال، قبل أن يُحال حاليًا إلى مجلس اللوردات لمناقشته، وسط انقسام سياسى ومجتمعى واسع حول مشروعيته.
مخاوف من ضغط غير مباشر على المرضى
وفى تصريحات إذاعية، أكدت مولالي أن لديها موقفًا مبدئيًا واضحًا ضد تشريع الموت الرحيم، مشيرة إلى أن الخطر الحقيقى يكمن فى أن يشعر بعض المرضى، لا سيما مرضى السرطان، بأنهم عبء على المجتمع أو أسرهم، ما قد يدفعهم إلى اختيار الموت بدافع الإحساس بالضغط النفسى أو الاجتماعى، وليس عن قناعة حقيقية بحرية الاختيار.
وأضافت أن هناك فئات كاملة من المواطنين أكثر عرضة للإصابة بالسرطان بسبب عدم المساواة الاجتماعية وتأخر التشخيص، وهؤلاء قد يجدون أنفسهم أمام خيارين غير متكافئين: إما الخضوع لعلاجات شاقة مثل العلاج الكيميائى، أو اللجوء إلى الموت الرحيم، فى ظل أحكام قيمية ضمنية تفرضها نظرة المجتمع.
نقص الرعاية التلطيفية يفاقم الأزمة
وأشارت رئيسة أساقفة كانتربرى إلى أن أحد أخطر أوجه القصور فى مشروع القانون هو تجاهله لأزمة نقص التمويل المخصص للرعاية التلطيفية والرعاية الاجتماعية، مؤكدة أن الحديث عن «حرية الاختيار» يصبح غير دقيق فى ظل غياب خدمات صحية متكاملة تضمن للمرضى حياة كريمة حتى آخر لحظة.
وأوضحت أن بعض المرضى قد يلجأون إلى الموت الرحيم ليس لأنهم يرغبون فعليًا فى إنهاء حياتهم، بل بسبب عدم حصولهم على الرعاية الطبية والنفسية المناسبة التى تخفف آلامهم وتحافظ على كرامتهم الإنسانية.
تجربة شخصية وموقف أخلاقى
وتحدثت مولالي عن تجربتها المهنية، حيث شغلت سابقًا منصب كبيرة مسئولي التمريض فى هيئة الخدمات الصحية الوطنية، إلى جانب دورها الدينى، مؤكدة أنها جلست بجوار العديد من المرضى فى لحظاتهم الأخيرة، وهو ما شكّل قناعتها الرافضة للموت الرحيم.
وشددت على ضرورة أن يقوم أى تشريع صحى على مبدأ حماية الفئات الأضعف، وليس تسهيل إنهاء حياتهم، معتبرة أن قيمة الإنسان لا يجب أن تُقاس بقدرته على الإنتاج أو تحمّل الألم.
جدل مستمر داخل بريطانيا
ولا يزال مشروع القانون يثير انقسامًا حادًا داخل الأوساط السياسية والدينية والطبية فى بريطانيا، بين من يعتبره خطوة نحو احترام حرية الفرد فى اتخاذ قرار مصيرى، ومن يراه خطرًا أخلاقيًا قد يفتح الباب أمام ضغوط غير معلنة على المرضى وكبار السن وذوى الإعاقة.
ومن المتوقع أن تشهد مناقشات مجلس اللوردات سجالات مكثفة خلال الفترة المقبلة، فى ظل مطالب متزايدة بإدخال تعديلات جوهرية تضمن حماية المرضى وتوفير بدائل حقيقية، على رأسها تحسين الرعاية التلطيفية والدعم النفسى والاجتماعى.


















0 تعليق