اليمن.. الجنوب يمهد لإقامة "جسر استقرار" بين الخليج والغرب

الفجر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

ما تزال الأصوات، تعلو في محافظات الجنوب، رغم التصعيدات العسكرية الأخيرة، للمطالبة بإعلان الاستقلال عن الشمال، وسط تحركات دولية، لاحتواء ما يوصف بالتطورات الخطيرة.
وفي آخر التطورات، أعلن المشائخ والشخصيات الاجتماعية والسياسية، وجموع أبناء المديريات الشرقية،  أن الاستقرار الحقيقي في المنطقة لن يتحقق إلا بالاعتراف بدولة الجنوب العربي.
وقالوا في بيان خلال مهرجان جماهيري حاشد، بمديرية جردان، إنهم يباركون  الانتصارات" العظيمة التي حققتها قواتنا المسلحة الجنوبية في حضرموت والمهرة وشبوة، ونؤكد أن هذه الانتصارات لم تأتِ صدفة، بل صُنعت بدماء الأبطال وصبرهم وتضحياتهم، دفاعًا عن الأرض والهوية والسيادة."
وأشاروا إلى "أن تجاهل إرادة شعب الجنوب وتضحياته لم يعد مقبولًا، ونُطالب بالاعتراف الصريح والواضح بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره وإعلان دولة الجنوب العربي، كحق مشروع تكفله القوانين والمواثيق الدولية." وحمّلوا " المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة تجاه أي استمرار لمعاناة شعب الجنوب نتيجة تجاهل هذا الحق."
وطالبوا " القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ممثّلةً برئيس المجلس عيدروس قاسم الزُبيدي، باتخاذ القرار التاريخي بإعلان دولة الجنوب العربي، استجابةً لإرادة الشعب، وترجمةً لنضاله وتضحياته الطويلة." وأكدوا " أن شعب الجنوب قال كلمته، ولا تراجع عنها، وأن مسار استعادة الدولة بات خيارًا لا بديل عنه، وأن وحدة الصف الجنوبي هي السلاح الأقوى في هذه المرحلة المصيرية."
وطالبوا " القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ممثّلةً بالرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، باتخاذ القرار التاريخي بإعلان دولة الجنوب العربي، استجابةً لإرادة الشعب، وترجمةً لنضاله وتضحياته الطويلة."

رافعة استقرار

في سنة 1990، دخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية في 22 مايو/أيار 1990، غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم، أسفرت عن اندلاع حرب في سنة 1994، واحتل الشمال الجنوب، بعدما أصدر الجناح الإخواني في، فتاوى لتكفير سلطات ومواطني الجنوب، وأكد استباحة قتلهم، وسلب ممتلكاتهم.
وحشد الشمال  بـ12 ألف مقاتل من الأفغان العرب المنتمين لتنظيم القاعدة، وهو ما مكن من غزو الجنوب، ونهب موارده، وتهجير الآلاف من المواطنين.
وفي عام 2017، تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله وإعادة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية، وسط استجابة شعبية إجماعية، من طرف أبناء الجنوب.
ويحتل الجنوب موقعًا استراتيجيًا يتحكم بإحدى أعقد الملاحة العالمية الأكثر حساسية. باب المندب ليس مجرد ممر بحري، بل شريان يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، وتعبره نسبة كبيرة من تجارة الطاقة والبضائع العالمية. وأي اضطراب في هذه المنطقة ينعكس فورًا على أسعار الطاقة، وسلاسل الإمداد، وأمن الملاحة الدولية، حسب تقرير لشبكة صوت الضالع.
وجاء في التقرير: "خلال السنوات الماضية، أظهرت الأحداث أن غياب سلطة مستقرة وقادرة على فرض الأمن في هذه الجغرافيا حوّلها إلى منطقة هشّة، تُستغل من جماعات مسلحة، وشبكات تهريب، وأطراف إقليمية تسعى لاستخدام الفوضى كورقة ضغط. من هنا، يبرز الجنوب كمساحة لا يمكن تركها لإدارة الأزمات المؤقتة، بل تتطلب حلًا سياسيًا يعيد تعريف السلطة والسيادة."
وأشار التقرير، إلى  إلى أن "الفراغ السياسي هو أخطر بيئة لنمو الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود. الجنوب، في ظل غياب دولة معترف بها ومؤسسات مكتملة، كان عرضة لتكرار هذا النموذج. إلا أن الواقع الميداني أظهر في المقابل نشوء قوى محلية استطاعت فرض قدر من الاستقرار مقارنة بمناطق أخرى، ما يعكس قابلية الجنوب للتحوّل إلى دولة فاعلة بدل بقائه ساحة مفتوحة."
وبالنسبة لدول الخليج، "لا يمثل الجنوب جارًا جغرافيًا فحسب، بل عمقًا أمنيًا مرتبطًا مباشرة باستقرار أسواق الطاقة والتجارة. استمرار الفوضى جنوب الجزيرة العربية يعني بقاء التهديدات قريبة من خطوط تصدير النفط والموانئ الحيوية." حسب التقرير.

مصلحة أمريكية مباشرة

ويوفر استقلال دولة الجنوب العربي، لواشنطن شريكًا محليًا يمكن الاعتماد عليه في: (تأمين الممرات البحرية. وتبادل المعلومات الاستخباراتية. ومكافحة الإرهاب بشكل استباقي). وهو ما يتوافق مع الاستراتيجية الأميركية القائمة على تقليل الانخراط العسكري المباشر، وتعزيز الشراكات الإقليمية.
وكان  تقرير نشرته شبكة فوكس نيوز الأمريكية، قد أفاد بوأن المجلس الانتقالي الجنوبي أعلن سيطرته الكاملة على جميع المحافظات الجنوبية الثماني في اليمن، مؤكدا - وفقا للشبكة - استعداده لأن يكون شريكا للولايات المتحدة في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وتنظيم القاعدة، وفصائل مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
وفي هذا السياق، قال أحمد عاطف، ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، إن المجلس يسعى إلى توسيع التعاون مع واشنطن على المستويات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية.
وقال التقرير، إن المجلس الانتقالي يسعى إلى إقامة شراكة أعمق مع واشنطن، وفتح قطاعات النفط والزراعة والثروة السمكية والسياحة أمام الشركات الأمريكية، في إطار رؤية لإقامة دولة جنوبية مستقلة... قادرة على تأمين الممرات البحرية ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
وحذّر عاطف من أن الحوثيين يشكلون تهديدًا «إقليميًا وعالميًا»، مؤكدًا أن سيطرتهم على صنعاء تعني استمرار تهديد الملاحة في البحر الأحمر، وأمن جنوب اليمن، والسعودية، والإمارات، والخليج.

تصعيد يهدد الاستقرار

في غضون ذلك، وبالتزامن مع عمليات عسكرية تنفذها القوات الجنوبية ضد الإرهاب في وادي حضرموت، شن سلاح الجو السعودي اليوم الجمعة 26 ديسمبر 2025، غارات جوية على معسكر تسيطر عليه قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة حضرموت شرقي اليمن.
وجاءت العملية بالتزامن مع اشتباكات مسلحة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي ومسلحين قبليين ضمن ما يسمى "حلف قبائل حضرموت" في عدة مناطق بالمحافظة.
ويؤكد مراقبون، أن هذا التصعيد العسكري، يصب بشكل خاص، في خدمة مليشيات الحوثي والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها، وقد يحول المنطقة مجددًا إلى منصة لتهديد الملاحة الدولية وطرق التجارة العالمية، في وقت تعاني فيه الأسواق أصلًا من توترات جيوسياسية متصاعدة.
في غضون ذلك، يقول نصر عوض عاطف الجردمي: "في مفارقة صادمة تثير الدهشة والاستغراب، يُطلب من أبناء الجنوب مغادرة أرضهم، وإحلال قوات أخرى بدلًا عنهم في سابقة لا يقبلها منطق ولا يبررها عقل." وتابع: " كيف يُطلب من أصحاب الأرض الشرعيين أن يخرجوا من وطنهم، بينما تُفتح الأبواب لقوى مجهولة المصدر والهوية؟ وهل أبناء حضرموت والجنوب عمومًا إلا هم أهل الأرض والوطن؟ فأي عدالة هذه، وأي عقل يقبل بمثل هذا العبث؟"
وتابع: "إذا كان الهدف هو الأمن والاستقرار، فأولى الخطوات هي منع تهريب السلاح إلى مليشيات الحوثي، ووقف العمليات الإرهابية والإجرامية التي تستهدف أبناء الجنوب وقواته المسلحة. وإذا كان المطلوب هو الاستقرار الاقتصادي، فكيف يُسمح بتهريب النفط، وتشغيل مصانع تكرير بدائية في الصحاري، وإهدار الخام في الرمال، بينما يُطالب أبناء الجنوب بالتخلي عن ثرواتهم وتركها عرضة للنهب والفساد؟"

 

لا تمثّل استعادة الجنوبيين في اليمن لدولتهم المستقلة أي تهديد لمصر أو لمصالحها الاستراتيجية، بل على العكس، تشكّل فرصة واقعية لتعزيز أمن البحر الأحمر وحماية المصالح الإقليمية المشتركة. فقد أثبت الجنوبيون، بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال السنوات الماضية أنهم فاعل مسؤول يمكن الاعتماد عليه في تأمين الممرات البحرية الدولية، وفي مقدمتها باب المندب، وفي مكافحة التنظيمات الإرهابية، من خلال شراكات أمنية عملية وملتزمة بالقانون الدولي. ويطرح الجنوب مشروعًا سياسيًا مدنيًا غير أيديولوجي وغير متطرف، في تناقض واضح مع مشاريع الإسلام السياسي ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين، أو المشروع الحوثي المرتبط بأجندات إقليمية تهدد أمن الملاحة والاستقرار العربي. ومن هذا المنظور، فإن قيام دولة جنوبية مستقلة، بعيدة عن هيمنة الحوثيين وتأثيرهم، لا يمثّل فقط عامل استقرار لليمن، بل مكسبًا استراتيجيًا مباشرًا للقاهرة وللمنطقة ككل، لما يوفره من شريك موثوق في معادلة أمن البحر الأحمر ومواجهة التهديدات العابرة للحدود.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق