في إطار توجه الدولة نحو التحول الرقمي وتعزيز كفاءة إدارة الموارد الاستراتيجية، أطلقت وزارة التموين خلال 2025 مشروع «منظومة حوكمة تداول الأقماح التموينية»، في خطوة نوعية تستهدف إحكام السيطرة على واحدة من أهم السلع الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي للمواطن المصري، وهي سلعة القمح، سواء المحلي أو المستورد.
يأتي هذا المشروع في سياق خطة شاملة لتطوير منظومة تداول القمح، ومعالجة التحديات التاريخية المرتبطة بتعدد حلقات التداول، وارتفاع نسب الفاقد والهدر، وصعوبة تتبع الكميات منذ لحظة التعاقد وحتى وصولها إلى المطاحن وإنتاج الدقيق المستخدم في رغيف الخبز البلدي المدعم، الذي يستفيد منه ملايين المواطنين يوميًا.
منظومة إلكترونية متكاملة من المنبع إلى المصب
تهدف منظومة حوكمة تداول الأقماح إلى إنشاء نظام إلكتروني موحد وشامل يربط بين جميع الأطراف المعنية بسلسلة الإمداد، بدءًا من التعاقد على القمح المحلي أو المستورد، مرورًا بعمليات الاستلام والتخزين والنقل، وانتهاءً بمرحلة الطحن. ويعتمد النظام على تسجيل وتتبع البيانات لحظيًا، بما يتيح رؤية دقيقة وشاملة لحركة القمح داخل المنظومة التموينية.
وتم إسناد تنفيذ المشروع إلى شركة ACME Saico، تحت الإشراف الكامل للشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين، وبتمويل من الهيئة العامة للسلع التموينية، بما يضمن التكامل المؤسسي وتوحيد قواعد البيانات، وتحقيق أعلى درجات الحوكمة والشفافية.
المرحلة الأولى… تشغيل فعلي ونتائج أولية واعدة
وشهد 2025 تشغيل المرحلة الأولى من المنظومة، والتي شملت 22 صومعة حقلية، جرى ربطها إلكترونيًا بالنظام الجديد، بما أتاح متابعة الكميات المخزنة، وحركة الدخول والخروج، ومطابقة الأرصدة الفعلية مع البيانات المسجلة، وهو ما أسهم في تقليص الفاقد، ومنع أي تلاعب محتمل في الكميات أو جودة التخزين.
وأكدت وزارة التموين أن نتائج المرحلة الأولى جاءت إيجابية، سواء على مستوى دقة البيانات أو سرعة اتخاذ القرار، الأمر الذي شجع على البدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ المرحلة الثانية، تمهيدًا لتعميم المنظومة على مستوى الجمهورية، وربط جميع الصوامع والمطاحن ومراكز التجميع داخل إطار رقمي موحد.
ضبط الأسواق وتقليل الفاقد… أهداف استراتيجية
وتسعى الوزارة من خلال المنظومة الجديدة إلى تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية، في مقدمتها الحد من الفقد والهدر في القمح، وضمان وصول الكميات المخصصة للدعم إلى وجهتها النهائية دون تسرب، بما ينعكس بشكل مباشر على كفاءة الإنفاق العام وترشيد الدعم.
كما تسهم المنظومة في تعزيز القدرة على التخطيط المسبق للاحتياجات الفعلية من القمح، سواء المحلي أو المستورد، من خلال توفير بيانات دقيقة حول المخزون، ومعدلات الاستهلاك، والطاقة التخزينية المتاحة، وهو ما يدعم بناء احتياطي استراتيجي آمن ومستدام، قادر على مواجهة أي اضطرابات محتملة في سلاسل الإمداد العالمية.
تكامل مع مشروعات تطوير التخزين
ولا ينفصل مشروع حوكمة تداول الأقماح عن جهود الدولة لتطوير البنية التحتية لمنظومة التخزين، حيث تواكب المنظومة الرقمية التوسع في إنشاء وتطوير الصوامع الحديثة، ورفع الطاقة التخزينية، وتحسين كفاءة الموانئ ومواقع التفريغ، بما يحقق منظومة متكاملة لإدارة القمح تعتمد على التكنولوجيا والانضباط المؤسسي.
توطين الصناعة… تأسيس «فيرم مصر»
في السياق، وافقت الدولة خلال عام 2025 على تأسيس شركة «فيرم مصر»، لتوطين صناعة صوامع تخزين الحبوب، من خلال شراكة تجمع بين الحكومة والقطاع الخاص والجانب البولندي. ويستهدف هذا المشروع نقل التكنولوجيا الحديثة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز المكون المحلي في مشروعات الأمن الغذائي.
ويمثل تأسيس «فيرم مصر» خطوة مهمة نحو بناء قدرات وطنية مستدامة في مجال تصنيع وتجهيز الصوامع، بما يدعم خطط التوسع في الطاقة التخزينية، ويوفر فرص عمل، ويعزز القيمة المضافة للصناعة الوطنية.
نحو منظومة أكثر كفاءة وعدالة
وتؤكد وزارة التموين والتجارة الداخلية أن مشروع حوكمة تداول الأقماح يمثل نقلة نوعية في إدارة واحدة من أكثر المنظومات تعقيدًا وحساسية، ويجسد التزام الدولة بتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة، والتحول الرقمي، وتعظيم الاستفادة من الموارد الاستراتيجية.
ومن المنتظر أن يسهم تعميم المنظومة على مستوى الجمهورية في إحكام السيطرة على سوق القمح، وتعزيز استقرار منظومة الخبز المدعم، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بكفاءة وعدالة، بما ينعكس إيجابًا على الأمن الغذائي واستقرار المجتمع، في إطار رؤية مصر 2030
















0 تعليق