يشهد العالم طفرة غير مسبوقة في التكنولوجيا، من الحوسبة السحابية إلى الذكاء الاصطناعي والعمل عن بُعد، لكن المفارقة أن الأعطال الرقمية أصبحت أكثر تكرارًا وتأثيرًا، خلال عام 2025، سُجّلت ملايين البلاغات عالميًا عن توقف أو تعطل خدمات رقمية أساسية، ما يعكس فجوة واضحة بين سرعة تطوير التكنولوجيا وقدرة البنية التحتية على تحمّل هذا التوسع، فبينما تتطور الخدمات، لا يتطور الاستقرار بالوتيرة نفسها.
مركزية البنية الرقمية… نقطة قوة تحولت إلى خطر
أحد أبرز أسباب تكرار الأعطال هو الاعتماد الواسع على بنى رقمية مركزية، حيث تستضيف مراكز بيانات محدودة عددًا هائلًا من الخدمات المتشابكة، وتشير تقديرات تقنية إلى أن أكثر من 60% من الخدمات الرقمية العالمية تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على عدد محدود من مزودي البنية السحابية، هذا يعني أن خللًا واحدًا في نقطة مركزية قد يؤدي إلى تعطّل عشرات، وربما مئات، الخدمات في وقت واحد.
تضخم الاعتماد اليومي على الخدمات الرقمية
لم تعد التكنولوجيا مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من تفاصيل الحياة اليومية. تشير بيانات استخدام الإنترنت إلى أن المستخدم العادي يعتمد يوميًا على ما لا يقل عن 8 إلى 10 خدمات رقمية لإنجاز مهامه، من التواصل والعمل إلى الدفع والترفيه، هذا التضخم في الاعتماد يجعل أي انقطاع، حتى لو استمر دقائق، محسوسًا على نطاق واسع، ويحوّل الأعطال الصغيرة إلى أزمات ملموسة.
الضغط الهائل على البنية السحابية
شهد عام 2025 ارتفاعًا ملحوظًا في الضغط على البنية التحتية السحابية، نتيجة توسع العمل عن بُعد، وزيادة الاعتماد على الاجتماعات الافتراضية، وتنامي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن حجم البيانات المتداولة عبر السحابة زاد بأكثر من 25% خلال عام واحد، بينما لم تشهد بعض البنى التحتية توسعًا متناسبًا في القدرة الاستيعابية، ما رفع احتمالات الأعطال والتباطؤ.
الذكاء الاصطناعي… استهلاك أكبر من المتوقع
ساهم الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي في زيادة الضغط على الخوادم ومراكز البيانات، فهذه التقنيات تستهلك طاقة ومعالجة بيانات تفوق بكثير التطبيقات التقليدية، وتشير تقديرات تقنية إلى أن بعض منصات الذكاء الاصطناعي تستهلك ما يعادل 5 إلى 10 أضعاف الموارد التي تستهلكها خدمات رقمية تقليدية، ما يجعل أي خلل في التوازن بين الطلب والقدرة سببًا مباشرًا للتوقف أو الانقطاع.
تحديثات سريعة واختبارات غير كافية
في سباق الشركات على إطلاق ميزات جديدة وتحسينات مستمرة، أصبحت التحديثات تُطرح بوتيرة أسرع من قدرة الاختبار الشامل. وتشير بيانات قطاعية إلى أن نسبة كبيرة من الأعطال الكبرى خلال 2025 ارتبطت بتحديثات تقنية غير مستقرة أو تغييرات مفاجئة في الأنظمة، هذا النهج، القائم على السرعة قبل الاستقرار، زاد من احتمالات حدوث أعطال واسعة النطاق.
الهجمات السيبرانية عامل مضاعف للأعطال
لم تقتصر الأعطال الرقمية على المشكلات التقنية فقط، بل لعبت الهجمات السيبرانية دورًا متزايدًا، خلال 2025، سُجّلت زيادة ملحوظة في هجمات الحرمان من الخدمة، التي تستهدف إغراق الأنظمة بطلبات وهمية. وتشير تقديرات أمنية إلى أن هذا النوع من الهجمات مسؤول عن نحو 20% من الانقطاعات الكبرى التي شهدتها بعض المناطق خلال العام.
تكلفة اقتصادية تتصاعد مع كل انقطاع
تكرار الأعطال الرقمية لم يكن بلا ثمن اقتصادي، تقديرات تحليلية تشير إلى أن ساعة توقف واحدة في الخدمات الرقمية الأساسية قد تكلف الاقتصاد في الأسواق الكبرى ما بين 100 و300 مليون دولار، وفقًا لطبيعة القطاعات المتأثرة، وتشمل هذه الخسائر توقف التجارة الإلكترونية، وتعطل العمل المؤسسي، وتأخير المعاملات المالية، إضافة إلى خسائر غير مباشرة يصعب قياسها، مثل تراجع الثقة.
هل نحن أمام أعطال أكثر في المستقبل؟
تشير مؤشرات 2025 إلى أن الأعطال الرقمية مرشحة للتكرار ما لم تُعاد هندسة البنية التحتية العالمية بشكل أكثر مرونة. فالحل لا يكمن فقط في تطوير التكنولوجيا، بل في تنويع مصادر الاستضافة، وتقليل المركزية، وبناء أنظمة قادرة على العمل حتى في حال تعطل جزء منها، فالعصر الرقمي، كما أثبت الواقع، لا يقاس بسرعة الابتكار فقط، بل بقدرة التكنولوجيا على الصمود عندما يتوقف كل شيء فجأة.
















0 تعليق