نجيب محفوظ أيقونة الأدب.. 11 ديسمبر ميلاد أسطورة أدبية صنعت تاريخ الرواية

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وُلد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911 بحي الجمالية العريق، ليرتبط منذ طفولته بالبيئة الشعبية التى ستُصبح لاحقًا مصدر الإلهام الأول لأهم أعماله.

 ينتمى محفوظ إلى جيل المؤسسين للرواية العربية الحديثة، حيث بدأ مسيرته الأدبية فى الثلاثينيات وهو فى بدايات العشرينيات من عمره، قبل أن يشق طريقًا فريدًا بين الواقعية الاجتماعية والتجريب الفلسفى والسياسى الذى ميّز أعماله طوال أكثر من ستة عقود.
 أصدر محفوظ ما يزيد على 50 رواية وأكثر من 350 قصة قصيرة، إضافة إلى مقالات أسبوعية طويلة امتدت لعقود، كتب فيها عن المجتمع والسياسة والحياة اليومية وتأملاته فى الإنسان، وكانت تعكس فكرًا ناضجًا شديد الحساسية تجاه تفاصيل البشر، ما جعله صوتًا حقيقيًا للشارع المصرى والعربى. 

وتناولت رواياته موضوعات تمتد من التاريخ الفرعونى إلى الفلسفة الوجودية، ومن الواقع الاجتماعى إلى قسوة السلطة، ومن تحولات المدينة المصرية إلى صراعات الإنسان الداخلية.
 وفى أكتوبر 1988 دخل محفوظ التاريخ كأول أديب مصرى وعربى يفوز بجائزة نوبل فى الأدب، وهو حدث شكّل لحظة فارقة فى الوعى العربى والعالمى، وكرّس مكانته كواحد من أهم كتاب القرن العشرين. ومنذ ذلك الحين أصبح اسمه رمزًا ثقافيًا عالميًا، تُترجم أعماله إلى عشرات اللغات وتُدرّس فى الجامعات حول العالم.
 تأتى ذكرى ميلاده فى 11 ديسمبر من كل عام لتعيد اهتمام القراء والنقاد والباحثين بقيمته الأدبية والإنسانية، ولتؤكد أن تأثيره لم يقتصر على الإبداع الروائى فقط، بل امتد ليصبح جزءًا من الضمير المصرى والعربى، وسجلًا تاريخيًا صادقًا لتحولات المجتمع فى القرن الماضى.

طارق طاهر: ديسمبر شهر الاحتفاء بنجيب محفوظ عبر الندوات والورش الثقافية

من جانبه أكد مدير متحف نجيب محفوظ ومؤلف كتاب “معارك نجيب محفوظ” الكاتب والناقد طارق طاهر لـ"البوابة نيوز": أن شهر ديسمبر لم يعد مجرد ذكرى ميلاد الأديب العالمى، بل أصبح “شهرًا كاملاً لأدب محفوظ”، حيث تُقام خلاله فى القاهرة وعدة مدن مصرية فعاليات ثقافية ممتدة تشمل ندوات، وورش كتابة، وعروضًا سينمائية لأعمال مأخوذة عن رواياته، بالإضافة إلى لقاءات نقدية يشارك فيها باحثون وشباب مهتمون بـعالمه الأدبي.
 استعرض طاهر : كيف تحول الاحتفاء بميلاد محفوظ إلى طقس ثقافى يعكس حجم تأثيره الحى حتى بعد رحيله، فيقول إن الأجيال الجديدة تجد فى أدبه مساحة لفهم تاريخ المجتمع المصرى و تحولاته، لأن محفوظ كتب الإنسان قبل أن يكتب الأحداث، وكتب النفس البشرية قبل أن يكتب السياسة والشارع.
 وأشار طاهر إلى أن المتحف يستقبل فى ديسمبر أعدادا مضاعفة من الزوار، كثير منهم من طلاب الجامعات والأجانب المهتمين بالأدب العربى، ويعتبر أن هذا الحضور المتزايد دليل على أن نجيب محفوظ لم يغادر المشهد الثقافى، بل صار أحد أهم مكوناته.

وأكد أن احتفالية ديسمبر تتضمن ورشا مخصصة لقراءة “الثلاثية”، ومناقشات حول رواياته الأكثر تأثيرا مثل *اللص والكلاب، ثرثرة فوق النيل، ميرامار وأولاد حارتنا. 
ويرى أن هذا الإقبال يعنى أن نجيب محفوظ ما زال قادرا على إثارة الأسئلة الكبرى حول الحرية والمجتمع والعدالة.
 وفى ختام حديثه، يقول طاهر إن الاحتفال بميلاد محفوظ ليس مجرد استدعاء ماضي مجيد، بل هو تجديد لالتزام الثقافة المصرية بقيم العقل والفن والجمال التى مثلها محفوظ طوال حياته.

محمد شلبى أمين: محفوظ الذى نجا من الموت ليعيش فى وجدان البشرية

ويتحدث الأديب محمد شلبى أمين، كاتب أدب الرحلات لـ "البوابة نيوز" عن الجانب الإنساني البطولي فى حياة نجيب محفوظ، قائلاً: إن رواياته كانت بالنسبة إليه “بوصلة لفهم مصر من الداخل”، لأنها تكشف طبقات المجتمع المتعددة عبر شخصيات بسيطة وعميقة فى آن واحد.
 واستعرض شلبى أثر محفوظ فى الأدب العربى العالمى، مشيرًا إلى أن أعماله ترجمت إلى أكثر من 40 لغة، وأنها ما زالت تشكل مرجعا أساسيا لدراسة تطور السرد العربى، سواء من ناحية البناء الروائى أو الأسلوب الفلسفي.

ويتوقف شلبى عند أخطر اللحظات فى حياة محفوظ هى محاولة اغتياله الإرهابية عام 1994، عندما طعنه شاب تنتمي إلى إحدى الجماعات المتطرفة تنفيذا لأوامر أمير الجماعة، رغم أن التحقيقات أثبتت أن المنفذ لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعرف شيئًا عن محفوظ أو رواياته، بل لم يسمع عنها إلا عبر التحريض الجاهل الذى ترجم الكراهية إلى عنف.
ورغم خطورة الإصابة التى كادت تفقده القدرة على الكتابة تمامًا، فإن محفوظ نجا بمعجزة، وعاد ليقول عبارته الشهيرة: “الكتابة حياة، ولن أتوقف عن الحياة.”
يشير شلبى إلى أن تلك الحادثة أظهرت معدن محفوظ الحقيقى؛ فقد واجه العنف بابتسامة، والإرهاب بالإنسانية، وساهم فى توعية المجتمع بقيمة الفن بمساحة للنور فى مواجهة الظلام.

وأكد أن بقاء أعماله حية حتى اليوم دليل على أن الفكرة تنتصر دائمًا على السلاح، وأن الإبداع قادر على تجاوز الألم.
ويضيف شلبى أن محفوظ أصبح بعد نجاته رمزا عالميا للقوة الهادئة، وصوته عقليا يقف ضد التطرف، ويرسخ أن الأدب يمكن أن يكون درعا للمجتمع، ومحرر لوعيه، ونافذة نحو عالم أكثر إنسانية.

محفوظ الذى لا يرحل.. وذكريات آخر حوار معه

تتلخص ذكرى ميلاد نجيب محفوظ فى 11 ديسمبر عبر عنها كل من طارق طاهر ومحمد شلبى أمين: أننا أمام أديب لم يعد مجرد اسم فى كتب الأدب، بل أصبح ذاكرة حية وثقافة متجددة وجدان ممتدة للأجيال. فقد أكد طاهر أن ديسمبر يتحول إلى شهر احتفال كامل يكرس حضور محفوظ فى الفعاليات الثقافية، فيما استعاد شلبى حادثة اغتيال فاشلة أرادت إسكات صوته، لكنها جعلته أكثر تأثيرا مما خلد رسالته.
تعيدنا هذه الرؤى إلى المقدمة التى تناولت مسيرته منذ ميلاده عام 1911 وحتى فوزه بنوبل 1988، مرورا بشكل رواياته ومقالاته وحضوره الفكرى المتواصل.
 واختتم هذا التقرير بذكرى شخصية: فقد كنت آخر من أجرى حوار مع الأديب العالمى نجيب محفوظ قبل رحيله، وكان حديثه رغم ضعف الجسد ممتلئا بالحكمة والهدوء، وكأنه يعرف أن الكلمة أطول عمرا من صاحبها، وأن الأدب وحده هو الذى لا يغيب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق