الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود
أزمة الزوامل: وثيقة إدانة لغياب الرقابة وتهاون الأجهزة المسؤولة عن الأمن البيئي
الهدوء الريفي الذي طالما ميز قرية الزوامل في محافظة الشرقية، تمزق فجأة بصراخ غير متوقع: ظهور التماسيح. لم تكن هذه مجرد حيوانات ضالة، بل كانت مؤشرًا خطيرًا على تسرب العبث البيئي إلى قلب الحياة اليومية للمواطنين. إن المشهد بأكمله يتجاوز مجرد حادثة صيد، ليصبح دراسة حالة صارخة حول تهاوي منظومة الرقابة وغياب المسؤولية الشخصية تجاه الأمن المجتمعي والبيئي، وهو ما دفعني، طلال مهدي، إلى تسليط الضوء على الأبعاد الحقيقية لهذه الأزمة.
الفكرة الأولى: من عبث الهواية الخاصة إلى جريمة تهديد عام
الفرضية الأقوى حول مصدر هذه التماسيح لا تشير إلى هجرة طبيعية، بل إلى إهمال متعمد أو تخلص غير مسؤول من قبل أفراد قرروا حيازة وتربية هذه الكائنات المفترسة كهواية أو تجارة غير مرخصة. وهنا تكمن النقطة المحورية: متى تتحول الحرية الشخصية في امتلاك الحيوانات إلى تهديد يمس سلامة مجتمع بأكمله؟
إن من ألقى بهذه الكائنات في مجاري مائية عامة لم يلقِ بها فحسب، بل ألقى بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية عرض الحائط. لقد حوّل هؤلاء الأفراد، بتصرفهم الأناني، الترع التي يستقي منها الفلاحون ويلهو بقربها الأطفال، إلى كمائن مميتة. هذا السلوك يمثل قمة الاستهانة بحياة الأبرياء، ويستوجب تصنيفًا أكثر شدة من مجرد "مخالفة بيئية"؛ إنه شكل من أشكال الجريمة التي تهدد الأمن الحيوي للمنطقة. فما هي قيمة التنمية والخدمات إذا لم نتمكن من ضمان أبسط حقوق المواطن: الحق في الشعور بالأمان عند عتبة بيته؟ هذه التماسيح ليست المشكلة، بل غياب الردع هو المشكلة.
الفكرة الثانية: الغياب المريب للرقابة.. لماذا لم ير أحد الوحوش قادمة؟
لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة على من تخلص من التماسيح دون الإشارة إلى الفراغ الرقابي الذي سمح لهذه الكائنات بالنمو والازدهار في بيئة غير مخصصة لها في المقام الأول. إن وجود تماسيح بأحجام مختلفة يشير إلى أن عملية التربية كانت مستمرة لفترة ليست بالقصيرة، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول كفاءة الأجهزة المعنية.
أين كانت أعين التفتيش؟
• مديريات الطب البيطري: ألم تكن هناك حصر أو تفتيش دوري للمزارع أو الحيازات التي يمكن أن تحتوي على كائنات غير تقليدية؟
جهاز حماية البيئة: ألم يتم رصد أي مؤشرات على تداول هذه الحيوانات، والتي تتطلب تصاريح خاصة ومعقدة لخطورتها؟
هذا الغياب الرقابي ليس مجرد تقصير إداري، بل هو ثغرة أمنية كبيرة. فالثغرة التي سمحت بظهور التماسيح اليوم، قد تسمح بظهور تهديدات أخرى غدًا. يجب أن يكون حادث الزوامل بمثابة صحوة إجبارية لأجهزة المحافظة للقيام بمسح شامل وتصفية لأي حيازات غير مرخصة للحيوانات البرية والمفترسة، وتغليظ العقوبات على المخالفين بحيث تكون رادعة ومكلفة لمن تسول له نفسه تكرار هذا العبث. إن الأمر يتطلب تحركًا من الأعلى، ليس فقط للإمساك بالزواحف، ولكن لسد الفجوات القانونية والرقابية التي مكنتها من الوصول إلى هنا.
الفكرة الثالثة: نحو استعادة ثقة المجتمع وتأمين البيئة
إن تجاوز الأزمة يتطلب أكثر من مجرد إرسال فريق صيد؛ يتطلب خطة استراتيجية لإعادة بناء الثقة البيئية والأمنية في قرية الزوامل والمناطق المشابهة.
أولًا، يجب أن يتم التعامل بشفافية تامة مع الأهالي، وإطلاعهم على الإجراءات المتخذة للبحث عن أي تمساح متبقٍ، وتقديم الدعم النفسي للتخفيف من حالة الذعر. ثانيًا، يجب أن يتم استخدام هذه الواقعة كفرصة لإطلاق حملة توعية وطنية حول خطورة تربية الكائنات المفترسة وأهمية الإبلاغ عنها، مع وضع آليات سهلة وسرية للإبلاغ.
في الختام، إن أزمة تماسيح الزوامل هي مرآة تعكس مدى هشاشة بعض جوانب الرقابة في بيئتنا الريفية. يجب أن نتحول من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل الاستباقي. فالأمان المجتمعي، هو خط أحمر لا يجب التهاون في حمايته، وسلامة أهالي الشرقية لا تقدر بثمن.









0 تعليق