شهدت الساحة الصومالية خلال 2025 تحوّلًا لافتًا مع تجاوز عدد الغارات الأمريكية حاجز المئة ضربة في أقل من عام، في واحد من أكبر التصعيدات العسكرية منذ سنوات.
واشنطن قدمت تبريرات جاهزة، منها ان الخطر يتصاعد، و«الشباب» و«داعش-الصومال» يعيدان تنظيم صفوفهما، بينما حكومة مقديشو تبدو عاجزة عن السيطرة على المناطق الوعرة.
لكن خلف هذا المشهد، تكمن معادلة سياسية وأمنية أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح.
واشنطن تعود بثقلها: لماذا الآن؟
الرسالة الأميركية لم تعد تحتمل التأويل، فالبيت الأبيض يعطي الضوء الأخضر لعمليات جوية مكثفة، والقيادة العسكرية في إفريقيا تنفذ بلا تردد.
تقديرات استخباراتية تتحدث عن «خطر صامت»
أشارت تقارير أمنية، إلى أن حركة الشباب استعادت مواقع مهمة في وسط الصومال، وأن فرع تنظيم داعش تحرك في جبال غوليس ومناطق نائية يصعب على الجيش الصومالي اختراقها.
هذا أعطى الانطباع لواشنطن بأن الوقت مناسب لـ«قطع الطريق» قبل أن يتحول التمدد إلى واقع يصعب احتواؤه.
نموذج أمريكي جديد: ضربات بدل الجنود
بعد سنوات من التردد في التدخل المباشر، اختارت واشنطن العودة إلى «الحرب عن بُعد»، طائرات بدون طيار، ضربات دقيقة، ومعلومات استخباراتية مشتركة.
والهدف منها تقليل التكلفة السياسية، وتفادي أي «بصمة عسكرية» ميدانية يمكن أن تتحول لعبء داخلي.
غطاء سياسي من مقديشو
الحكومة الصومالية التي تواجه تحديات أمنية واقتصادية رحبت بالتصعيد الأميركي.
من وجهة نظرها، أي حملة تضعف «الشباب» ولو مؤقتًا من شأنها تحسين وضعها أمام الرأي العام والعشائر.
ما بين التكتيك والاستراتيجية.. ماذا حققت الضربات فعليًا؟
حتى الآن، تؤكد واشنطن أن الغارات «فعالة»، وأنها «أحبطت مخططات» وأصابت «قادة ميدانيين».
لكن الصورة على الأرض أعقد بكثير.
فالضربات الجوية نجحت في استهداف مواقع وارتكازات مهمة، لكن منظمات مراقبة سجلت احتمالات إصابات مدنية، وهو الأمر الذي يفتح بابًا واسعًا لخطاب التجنيد الذي تجيده حركة الشباب.
وفي كل مرة تُسجل فيها خسارة مدنية، حتى لو كانت غير مؤكدة، تتحول إلى مادة دعائية توظفها الجماعات المتطرفة بسهولة.
حركات تتكيف بسرعة
تجربة الصومال تُظهر أن «الشباب» و«داعش-الصومال» يتعاملان مع الضربات كجزء من دورة حرب طويلة.
والعناصر يبدلون مواقعهم، ويتحركون في مجموعات صغيرة، ويستفيدون من التضاريس القاسية.
ومع فقدان قيادات، يظهر قادة آخرون بسرعة ما يجعل التأثير الاستراتيجي للغارات محدودًا مقارنة بتأثيرها التكتيكي.
البُعد السياسي: رسائل أبعد من ساحات القتال
تصعيد 2025 لم يكن مجرد حملة عسكرية، بل رسالة سياسية مزدوجة.
فواشنطن تريد أن تظهر بمظهر الدولة التي «لا تتسامح مع الإرهاب» خصوصًا في ظل نقاشات داخلية حول نفوذ الجماعات المتطرفة عالميًا.
والضربات وسيلة سريعة لإظهار «الحسم»، دون الدخول في مغامرات برية طويلة.
وفي محيط يشتعل بين ساحل العاج وإثيوبيا وكينيا، تريد الولايات المتحدة أن تؤكد أنها لا تزال اللاعب الأكثر قدرة على قلب المعادلة الأمنية.
وتصعيدها في الصومال بمثابة تذكير بأن انسحابها من بعض الجبهات لا يعني تراجعًا عن التدخل حيث ترى الخطر أكبر.
ما المخاطر؟
رغم الزخم العسكري، يبقى المشهد محفوفًا بمخاوف حقيقية، منها خطر انعكاس الضربات على المدنيين، ما قد يقلب السكان ضد الحكومة الصومالية.
واحتمال دفع الجماعات المتطرفة إلى ردود انتقامية في الصومال أو بلدانه المجاورة.
وكذلك إضعاف جهود الإغاثة الإنسانية في المناطق التي تضررت بنيتها بسبب العمليات.
ذلك مع عدم وجود استراتيجية سياسية موازية تقود إلى حل دائم.











0 تعليق