تُقدّم بانوراما الفيلم الأوروبي كل عام مجموعة مُنتقاة من كلاسيكيات السينما. وفي دورته الثامنة عشرة، التي تُقام من ٢٧ نوفمبر إلى ٦ ديسمبر، احتفى المهرجان بالمسار الإبداعي للمخرج الدنماركي النرويجي يواكيم تريير، ذلك الصوت السينمائي المتفرّد.
ضم البرنامج أحدث أفلام تريير، "القيمة العاطفية"، الحائز على جائزة في مهرجان كان، ودعى الجمهور إلى إعادة مشاهدة الأفلام الثلاثة التي تتكوّن منها ثلاثية المخرج الشهيرة "أوسلو": "إعادة" (٢٠٠٦)، "أوسلو، ۳۱ أغسطس" (٢٠۱۱)، و"أسوأ شخص في العالم" (٢٠۱۱).
شخصيات شابة
تتبّع كل فيلم من أفلام الثلاثية شخصيات شابة تبحث عن معنى لحيواتها في مدينة أوسلو أثناء ما تشهده من تحديث سريع. وعلى غرار معظم أعمال تريير، وبروح إسكندنافية خالصة، تتشارك هذه الأفلام نبرة كوميدية سوداء، فتُصوّر مفارقات الحياة الحضرية وتلتقط الفكاهة من قلب ما بها من عبث. ومن اللافت أيضًا أن الممثل أندرس دانيلسن يؤدي دورًا محوريًا في الأفلام الثلاثة.
فيلم الكوميديا الدرامية "إعادة" (٢٠٠٦)، أول أفلام ثلاثية أوسلو، هو أيضًا الظهور الأول لتريير في موقع المخرج. تناول الفيلم قصة فيليب وإريك، صديقين منذ الطفولة يجمعهما شغف بروايات الكاتب المنعزل عن المجتمع ستين إيغل داهل، وحلمهما المشترك بأن يصيرا كاتبين. يتباعد طريقا الصديقين مع محاولتهما الدخول إلى عالم الأدب، ويواجه كل منهما عوائق مختلفة. نال الفيلم جائزة أفضل مخرج في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي، وجائزة "ديسكافري" في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، ما دفع تريير بقوة إلى ساحة السينما العالمية.
احداث العمل
أما فيلم "أوسلو، ۳۱ أغسطس" (٢٠۱۱)، فيتتبّع قصة رجل يتعافى من الإدمان يُسمَح له بالخروج مؤقتًا من مركز لإعادة التأهيل. بعودته إلى المدينة، يلتقي أصدقاء قدامى ويواجه ما تبقى من ماضيه ويصارع شكوكه حول ما ينتظره في المستقبل. تكشف جولاته عن رغبته في الانتماء وعن العزلة العميقة التي لا تزال تلازمه. عُرِض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان، ثم حصد جوائز عدّة في ستوكهولم وإسطنبول وغيرها، كما شهد الظهور الأول للممثلة النرويجية رينات راينسفه، مُمهّدًا لتعاونها المستمر مع تريير.
ربما يكون الفيلم المألوف أكثر من غيره في هذه الثلاثية لدى جمهور السينما بالقاهرة ومتابعي البانوراما منذ سنوات هو العمل الختامي لها، "أسوأ شخص في العالم" (٢٠٢۱)، الذي عُرِض ضمن الدورة الرابعة عشرة من المهرجان. يتناول الفيلم قصة جولي (رينات راينسفه)، الشابة التي تقترب من الثلاثين وتعاني من أزمة وجودية حادّة مقترنة بتلك المرحلة العمرية. بصدق مرح، نتابع هذه الشخصية المندفعة وهي تُشكّل علاقات وتفسدها وتعيد إحياءها، وتتنقل بين مسارات وظيفية وطموحات متعددة، وتعيش تقلبات رحلة الإنسان نحو الرشد. وقد نالت راينسفه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان عن هذا الدور، ثم رُشّح الفيلم لاحقًا لجائزتين في الأوسكار، ما رسّخ مكانة تريير كأحد أكثر أصوات السينما المعاصرة تأثيرًا.







0 تعليق