لا أكتب اليوم بصفتي صحفية تنقل الأخبار بلغة محايدة، ولا أحمل بين يدي تقريرًا أو بيانًا صحفيًا، بل أسطر كلماتي اليوم كـ"أم"، قلبها اهتز حتى الجذور منذ اللحظة التي رحل فيها الطفل السباح يوسف محمد عبد الملك، في واقعة مرعبة لا تحتمل الصمت ولا يغفرها الزمن، أثناء مشاركته في بطولة الجمهورية للسباحة.
منذ ذلك اليوم وأنا أعجز عن لملمة روحي، أشعر بالانكسار كلما رأيت صورته أمامي على مواقع التواصل الاجتماعي وفي جروبات الأمهات الخاصة بالسباحة، وأشعر بالقهر كلما اطلعت على بيانات وزارة الرياضة وتراشق الاتهامات بين اتحاد السباحة وأولياء الأمور عمومًا.
وكلما استمعت إلى صوت أم يوسف، تخنقني الكلمات والدموع، فكيف يمكن لأي كلمات أن تواسي تلك الأم المكلومة؟.
رحل يوسف في مكان يفترض أن يكون آمنًا، رحل البطل تحت سقف غاب عنه النظام، وتراكم داخله عدد من السباحين يفوق احتماله، وتاهت فيه أرواح الصغار بين الزحام والفوضى، بينما غابت أعين الرقابة، وغابت معها المسؤولية والضمير.
ظل السباح البطل قرابة 10 دقائق في قاع حمام السباحة في أكبر بطولة رسمية تنظمها الدولة، بسبب حالة إهمال واضحة للجميع، وسط غياب ضمير وإنسانية القائمين على تلك البطولة.
نحن الأمهات لم نطالب إلا بأبسط حقوق الحياة، أن يعود أبناؤنا إلينا سالمين، فقد ذهبت أم يوسف لتستعد للاحتفال بابنها بطل الجمهورية الحاصل على الميداليات الذهبية فعادت به جثمان بلا وح.
الواقعة تؤكد أننا أمام اتحاد لا يرى في أولادنا إلا رسومًا ومصاريف تُجبى، لا سلامة تُصان، ولا بطولة تُنظم بما يليق بحياة أطفال يمضون أحلامهم في الماء قبل الهواء.
أي بطولة تلك التي تخنق أبناءنا بدل أن ترفع شأنهم؟ أي اتحاد هذا الذي يكدس آلاف السباحين بلا حكمة، ولا حساب، ولا تدبير؟ ألهذه الدرجة تهون أرواح الصغار على قلوب البعض؟!
لقد كان يوسف رسالة موجعة بعثها القدر إلينا قسرًا، لتقول لنا: إن الصمت خيانة، وإن أرواح أبنائنا ليست أرقامًا على لوائح الاشتراك، وإن الرياضة لا تُبنى على الإهمال، بل على الأمان أولًا ثم الأمان دائمًا.
لسنا نبحث عن شماعات، ولا نُصفي حسابات نحن نبحث عن حق ونظام.. نبحث عن مسؤول يُحاسب.
نبحث عن بطولة تُدار بعقل، وعن استاد يعرف سعته، وعن اتحاد لا يتعامل مع أطفالنا كسلعة أو رقم، بل كأمانة في عنقه.
لن نقبل بعد اليوم أن يدخل أبناؤنا ساحات بلا تنظيم.. ولن نسمح أن يتكرر مشهد يوسف، لا في بطولة، ولا تدريب، ولا في أي مكان يُرفع فيه علم الرياضة.
والسؤال الآن.. يوسف ضحية من؟ وهل سيحاسب من أهمل حياته وأمنه؟ رحم الله البطل السباح يوسف محمد عبد الملك وربط على قلبه والديه.









0 تعليق