تشهد الساحة السياسية الأوروبية هذا الأسبوع ارتباكًا واضحًا، مع تصاعد المخاوف من تغيّر التزام الولايات المتحدة تجاه الحلف الذي شكّل، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حجر الأساس للأمن الغربي.
في الوقت الذي يستعد فيه المبعوث الخاص للبيت الأبيض، ستيف ويتكوف، للتوجه إلى موسكو للمشاركة في جولة جديدة من محادثات السلام بشأن أوكرانيا—سادس زيارة له هذا العام—تغيب واشنطن عن اجتماعٍ مهم لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي، بعد أن قرّر وزير الخارجية ماركو روبيو إرسال نائبه بدلًا من الحضور شخصيًا. وهي خطوة لم تتكرر منذ عام 1999.
تحركات واشنطن تشعل القلق الأوروبي
أثارت خطة السلام المسربة، إضافة إلى نص مكالمة هاتفية جمعت ويتكوف بمسؤول رفيع في الكرملين، قناعة متزايدة لدى العواصم الأوروبية بأن إدارة ترامب تُعطي الأولوية لتحسين العلاقات مع موسكو على حساب الحفاظ على تماسك التحالف الأطلسي.
تضمّنت الخطة بنودًا صادمة بالنسبة للدفاع الأوروبي:
اعتراف غير مباشر بروسيا كطرف منتصر، وإجبار أوكرانيا على التنازل عن أراضٍ لم تخسرها، وتقليص جيشها، دون ضمانات حماية فعّالة من واشنطن أو شركائها الأوروبيين.
كما بدا من النص الأمريكي المتداول أن واشنطن تضع نفسها في موقع “الوسيط” بين الناتو وروسيا، لا عضوًا أساسيًا في الحلف.
أستاذ السياسة الدولية كارلو ماسالا وصف الخطة بأنها “معاهدة فرساي معكوسة… تعاقب الضحية وتكافئ المعتدي”.
خلافات تتسع.. ودروس من مكالمة مسرّبة
زاد القلق الأوروبي بعد ظهور تفاصيل جديدة حول كيفية إعداد الخطة، بينها مكالمة نشرتها “بلومبرغ” ظهر فيها ويتكوف وكأنه يوجّه مساعد بوتين حول ما ينبغي قوله للرئيس الأميركي.
مسؤولون ودبلوماسيون رأوا في الخطوة تحقيقًا لـ “الحلم الاستراتيجي” لموسكو: إحداث شرخ بين الولايات المتحدة وأوروبا.
ورغم دفاع البيت الأبيض عن مبعوثه، وتأكيده أن هدف واشنطن هو “وقف القتل وإنهاء الحرب”، فإن ردود الفعل الأوروبية كانت حادة:
رئيس وزراء بولندا: “خطة غير مقبولة”.
وزير الخارجية الفنلندي السابق: “الناتو لم يعمل بالكفاءة المطلوبة”.
باريس تؤكد لترامب ضرورة ضمان أمن أوكرانيا.
مسؤول فرنسي: “لولا الأوروبيون لكان بوتين وترامب اتفقا منذ زمن”.
سلام بارد… أم شرخ دائم في التحالف؟
يرى محللون أن الولايات المتحدة تنظر إلى الصراع بمنطق “وقف سريع للنار واستعادة الهدوء لعام أو اثنين”، بينما تتعامل أوروبا مع تهديد وجودي مباشر، خاصة مع استمرار الهجمات السيبرانية الروسية، والطائرات المسيّرة، وحوادث استهداف البنية التحتية.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن بوتين—الذي لا يستطيع مواجهة الناتو عسكريًا—يسعى لتفكيك الحلف سياسيًا عبر دفعه إلى اتخاذ قرار واحد خاطئ فقط. إذ يقوم الناتو على الثقة المتبادلة، وانهيار هذه الثقة مرة واحدة قد يكون كافيًا لنسف التحالف.










0 تعليق