افيه يكتبه روبير الفارس: "روح أم كلثوم"

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ملفات خاصة

الإثنين 01/ديسمبر/2025 - 05:26 م

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ظلّ تجسيد شخصية أم كلثوم حلمًا فنيًا وشرفًا استثنائيًا لمن تتصدى له؛ فهذه السيدة لم تكن مجرد مطربة، بل رمزًا ثقافيًا واسع التأثير. وقد دخلت ثلاث ممثلات من أجيال مختلفة إلى هذه المنطقة الحساسة: صابرين، فردوس عبد الحميد، وأخيرًا منى زكي، لكن استقبال الجمهور لكل منهن جاء في سياق مختلف وبمستويات متنوعة من القبول والرفض. قدّمت صابرين أشهر تجسيد تلفزيوني لأم كلثوم في مسلسل “أم كلثوم” للمخرجة إنعام محمد علي، وهو العمل الذي ارتبط في ذاكرة الجمهور باعتباره النسخة الأكثر إقناعًا. اعتمدت صابرين على مدرسة الأداء الهادئ القائم على إعادة بناء الشخصية لا تقليدها؛ فاهتمت باللغة الجسدية، ونبرة الصوت، وطريقة الوقوف على المسرح. ومع أن ملامحها لا تتطابق تمامًا مع ملامح “الست”، فإن الدراسة الدقيقة للشخصية جعلت الجمهور يتجاوز الفارق الشكلي. كما ساهم الإنتاج الضخم ونجاح السيناريو في منح العمل مصداقية عالية وان كان  السيناريو قد لعب علي طريقة اظهار عيوب كل الشخصيات المحيطة بالست.لتظهر وحدها بمثالية غير بشرية.أما فردوس عبد الحميد فقد قدّمت أم كلثوم في فيلم  “كوكب الشرق ” اخراج زوجها المخرج الكبير محمد فاضل  ودار الفيلم حول محور اساسي ان السيدة التي تغني بكل صدق للعشق والحب.فشلت كل قصصها العاطفية  .ورغم  ان شكل وأداء فردوس  كان الاقرب لام كلثوم لكنها اعتمدت على مقاربة أكثر واقعية وبعيدة عن محاكاة التفاصيل الدقيقة، مما جعل العمل يحظى بتقدير نقدي دون أن يترسخ في الذاكرة الجماعية مثل نسخة صابرين. بل سقط الفيلم جماهيريا خاصة وان فردوس عبد الحميد ليست نجمة شباك بالمعني التجاري ورغم ان السيناريو تعامل مع ام كلثوم من منطق انساني لا مثالي عكس المسلسل.
و حين تم الإعلان عن تجسيد منى زكي لدور أم كلثوم في فيلم " الست "، جاء الهجوم واسعًا وسريعًا لأسباب عدة. أولها التعلق الشديد بالنسخة التي قدمتها صابرين، والتي أصبحت “النموذج القياسي” في الوعي العام، في حين يُنظر إلى منى زكي باعتبارها نجمة من جيل جديد له حضور مختلف. ثانيًا، تركز النقد على الفارق الشكلي بينها وبين أم كلثوم، وكأن المطابقة الحرفية شرط أساسي لتجسيد السيرة. وثالثًا، أن منى زكي ارتبطت في السنوات الأخيرة بأدوار حداثية وأعمال مثيرة للجدل، مما جعل جزءًا من الجمهور يرى في اختيارها خروجًا غير مبرر عن الصورة التقليدية المتوقعة لدور بهذه الحساسية. لكن تاريخ الدراما والسينما — عالميًا ومحليًا — يؤكد أن التشابه الشكلي ليس الشرط الأول لنجاح الأداء التمثيلي. فقد جسّد الممثل البريطاني "غاري أولدمان "دور "ونستون تشرشل "في “Darkest Hour” رغم اختلاف الملامح الجذري بينهما، ونال عنه الأوسكار. كما قدّمت" ميريل ستريب" شخصية مارجريت تاتشر ببعد درامي تجاوز مجرد الشكل، وحصلت على الإشادة ذاتها. كما ان الفنان احمد زكي لابشبه جمال عبد الناصر ونجح في تقديم فيلم ناصر 56 بينما الفنان مجدي كامل يشبه عبد الناصر في الشكل وفشل مسلسله عنه  اذن الهجوم على منى زكي لا يعكس نقصًا في موهبتها بقدر ما يعكس حساسية الجمهور تجاه رموزه التاريخية وتمسّكه بالصورة التي رسّختها صابرين في الوجدان. لكن نتائج التجارب العالمية والمحلية تؤكد أن نجاح العمل يعتمد على جدية الإعداد، قوة الإخراج، والقدرة على نقل روح أم كلثوم، لا شكلها فقط. وإذا نجح العمل في استحضار هذه الروح، فقد تتغير الأحكام المسبقة كما حدث في تجارب كثيرة مشابهة.

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق