“البوابة نيوز”.. والإعلام بين المسؤولية والتنوير ومنح الكلمة قيمتها

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يمثل الإعلام أحد أهم الفواعل القادرة على التأثير في المجالين السياسي والثقافي، ليس فقط من خلال نقله للأحداث وتحليله للتطورات، بل عبر مساهمته في بناء إدراك عام متماسك لدى المواطنين. فالمؤسسات الصحفية الجادة، حين تلتزم بمعايير المهنية والموضوعية، تصبح شريكًا حقيقيًا في تشكيل الوعي العام، وتتحول إلى منصة لإعادة قراءة التفاعلات السياسية والاجتماعية بعيدًا عن التحيز والضوضاء الخطابية. ومن بين هذه المؤسسات التي رسخت حضورها خلال السنوات الأخيرة، تبرز جريدة البوابة بوصفها نموذجًا لمنصة إعلامية تحرص على تقديم محتوى متزن وتفسيرات معمقة للقضايا المطروحة للنقاش العام.

لقد كانت تجربتي في الكتابة ضمن “البوابة” فرصة مهمة للتفاعل مع هذه البيئة الإعلامية؛ بيئة تعاملت مع المقال الذي يغلب عليه الطابع البحثي كأداة للتنوير وصياغة المعنى في وقت تزداد فيها الحاجة إلى فهم مستنير للقضايا المحلية والإقليمية. فقد أتاح لي النشر المنتظم عبر صفحات الجريدة مساحة للتعبير والتحليل، دون إخلال بالمعايير التحريرية التي توازن بين حرية الرأي ومتطلبات المهنية. وهذا الحد ذاته يجسد الدور المركزي للإعلام حين يوفر للباحثين والكُتّاب منصة تُعلي من قيمة النقاش المبني على المعرفة والتحقق، وتحول المقال إلى مساهمة في دينامية الوعي الجمعي.

فيمَ يخص الجانب المهني والتوعوي، يمتد دور البوابة إلى ما هو أبعد من تقديم محتوى خبري أو تحليلي؛ إذ تلعب الجريدة، بحكم خطها التحريري ومسؤوليتها المجتمعية، دورًا محوريًا في محاربة الفكر المتطرف عبر تفكيك سردياته وتقديم قراءة عقلانية للظواهر المرتبطة به. فالخطاب الإعلامي المتوازن -حين يكون قائمًا على التحقق والبحث المتعمق- يُعد إحدى الأدوات المركزية في مواجهة الخطابات المتشددة التي تعتمد بالأساس على التضليل وبناء أطر معرفية مغلقة. ومن خلال نشرها لمواد ترفض التطرف، وتسلط الضوء على جذوره الاجتماعية والسياسية، وتعيد تعريف سياقات الظواهر المرتبطة بالعنف، تساهم الجريدة في تعزيز وعي نقدي لدى القارئ، وتدعم بناء حصانة معرفية داخل المجتمع لتضعف من قدرة الفكر المتطرف على الانتشار أو التأثير. كما أن تغطيات الجريدة المتسمة بالدقة والموضوعية أسهمت في إعادة صياغة النقاش العام حول قضايا الأمن والفكر والهوية الدينية، ما يجعلها فاعلًا إعلاميًا مهمًا في معركة الوعي التي لا تنفصل عن معركة الأمن والاستقرار في المنطقة.

من الناحية التحريرية والتنظيمية، يبرز الدور المحوري لقيادات الجريدة، الذين مثلوا عنصرًا داعمًا منذ بداية التجربة. فقد كانوا حريصين على توفير الظروف الملائمة للنشر، ومتابعة عملية تسليم المقالات بشكل منتظم، وهو ما يعكس فهمًا مهنيًا لدور التحرير في تنظيم العملية البحثية والإعلامية على حد سواء. فالدعم التحريري المتوازن لا يوجّه المحتوى بقدر ما يضمن وصوله للقارئ في صورة متماسكة وسلسة، وهو ما تحقق بصورة واضحة في تجربتي مع الجريدة.

ومن خلال هذا التفاعل مع “البوابة”، تتأكد أهمية الإعلام كفاعل ثقافي وسياسي يشكل الوعي النقدي لدى الجمهور. فالمحتوى التحليلي -خاصة حين يُتاح بصورة دورية ومنهجية- يسهم في ترسيخ ثقافة السؤال، وتوسيع دائرة الفهم، وإعادة قراءة الأحداث بعيدًا عن الأحكام المسبقة. وهو ما يجعل المؤسسات الصحفية الحريصة على هذا النهج جزءًا أصيلًا من بنية الاستقرار الاجتماعي والسياسي، لما تقدمه من محتوى يوازن بين الشرح والتحليل والتنوير.

وعليه، فإن الامتنان لهذه التجربة لا يرتبط فقط بفرصة النشر، بل بالدور الذي أدته المنصة في دعم إنتاج معرفي مسؤول، وفي توفير مساحة تفاعلية تُسهم في إثراء المجال العام. وتبقى الكتابة على صفحات “البوابة” نموذجًا للتعاون بين الباحث والمؤسسة الإعلامية بهدف تعزيز الوعي، وتقديم قراءة موضوعية للقضايا التي تشغل الرأي العام، وتأكيد أن الإعلام الجاد ما يزال قادرًا على أن يكون رافعة أساسية لبناء فهم نقدي وواعٍ في لحظة تعصف بها التحديات والمعلومات المتضاربة.

* باحثة في الشؤون السياسية والإعلامية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق