وضع الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي، القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للكتاب، خريطة واضحة حول علاقة الموروث الشعبي بالصناعات الثقافية، وقدرتهما معًا على تشكيل رافعة تنموية واقتصادية إذا تم استثمارهما وفق رؤية واعية.
سيناء الانتماء الحقيقي
واستهل أبو الليل حديثه في أولي جلسات «مؤتمر الصناعات الثقافية بالعريش» بعنوان «مفاهيم الصناعات الثقافية والإبداعية» بالإشادة بانعقاد المؤتمر في سيناء، مؤكدا أن هذا المكان «العزيز على نفوسنا جميعا» ليس مجرد قطعة جغرافية، بل تاريخ ممتد ووجدان متجذر. وقال: “في سيناء نتعلم الانتماء الحقيقي والعطاء والتضحية التي لا تنتظر مقابلا”.
أهالي سيناء
واستحضر في هذا السياق صورة أهل سيناء باعتبارهم نموذجًا وطنيًا مشرفًا في القيم والأصالة والتمسك بالعادات النبيلة.
ثم توقف عند فكرة محورية شكّلت أساس كلمته، حين قال: «عندما يموت معمر، فكأنما احترقت مكتبة، وسيناء مليئة بهذه المكتبات البشرية». موضحا أن التراث غير المادي الذي يحمله شيوخ المجتمعات المحلية وأهالي البادية هو ثروة لا تقدر بثمن، وأن ضياعه يمثل خسارة وطنية لا يمكن تعويضها.
مشروع وطني الكنوز البشرية الحية
وأكد أبو الليل أن هناك حاجة ماسة إلى مشروع وطني تتبناه الدولة لجمع وحفظ وتوثيق الموروث الشعبي في سيناء، بدءا من العادات والطقوس وعبارات التحية والاحتفالات والممارسات المرتبطة بالميلاد والزواج والوفاة، وصولا إلى الأزياء والمهارات الحرفية.
وأضاف: «التمسك بالموروث لا يعني بالضرورة ضمان استمراره، لأن سرعة التحولات من حولنا أخطر مما نتخيل».
وانتقل إلى محور الصناعات الثقافية بوصفه امتدادا طبيعيا للتراث الشعبي، قائلا إن هذه الصناعات تمثل “لغة العصر” التي تبني على الذاكرة الثقافية لتقديم منتجات إبداعية قادرة على المنافسة.
أشار «أبو الليل» إلى أن الدول الكبرى مثل الصين اعتمدت في نهضتها الحديثة على استثمار الصناعات الثقافية بوصفها موردا اقتصاديا متجددا.
وفي سياق حديثه، قال أبو الليل: «لا توجد قرية في مصر إلا وفيها صناعة ثقافية يمكن أن تصبح مصدرا للدخل القومي». وأوضح أن الحرف اليدوية والعادات المتوارثة وفنون الأداء والأزياء المحلية جميعها قابلة للتحول إلى منتجات ثقافية ذات قيمة اقتصادية، إذا تمت إدارتها باحتراف وربطها بالسياحة والتعليم والاقتصاد الإبداعي.
قرية تونس
وضرب مثلا بتجربة إحياء صناعة الفخار في قرية تونس بالفيوم، مؤكدا أن هذه التجربة غيرت حياة الناس وقلبت النظرة إلى الحرفة من الخجل إلى الفخر. وقال: «إحياء صناعة واحدة قد يحيي قرية كاملة، ويعيد تشكيل الوعي والاقتصاد والمكانة الاجتماعية».
القيادة السياسية ورعاية التراث
وأشار إلى أن معرض تراثنا الذي يقام سنويا يمثل «إعلانا رسميا بالالتفات إلى أصحاب الحرف التقليدية»، وأن استمرار هذا المعرض هو خطوة مهمة لدعم الصناعات الثقافية التي تأخرت مصر في استثمارها مقارنة بالدول الأخرى.
وأكد أبو الليل أن التحدي الأكبر اليوم يتمثل في مواجهة العولمة الثقافية التي تتسارع بفعل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما يجعل حماية الموروث المحلي ضرورة وطنية، لا رفاهية ثقافية. وقال: «الهويات الهشة تُلتهم بسرعة، والموروث الشعبي هو خط الدفاع الأول عن الشخصية المصرية».
وفي ختام كلمته، وجه التحية للفريق المنظم للمؤتمر، وفي مقدمته الدكتور مسعود شومان واللواء خالد اللبان، مشيدا برؤيتهم الهادفة إلى إدخال مفاهيم جديدة للعمل الثقافي، مؤكدًا على أن الصناعات الثقافية والإبداعية تمثل «فرصة ذهبية لاقتصاد الثقافة في مصر إذا أحسنا توظيفها وربطها بمشروعات حقيقية على الأرض».












0 تعليق