شهدت صحراء وادي النطرون المصرية حدثًا فريدًا حين اجتمع نحو 105 من القيادات المسيحية الشابة من مختلف أنحاء العالم، ضمن فعاليات برنامج GETI 2025 (البرنامج العالمي للتكوين المسكوني)، الذي نظمته لجنة الإيمان والنظام التابعة لمجلس الكنائس العالمي، بهدف تعزيز مفاهيم الوحدة، والإيمان الحي، والحوار بين الثقافات.
وعُقد البرنامج في دير الأنبا بيشوي، أحد أبرز معالم الرهبنة القبطية الأرثوذكسية، في أجواء روحية مفعمة بالتأمل والصلاة والتعلّم المشترك.
الصحراء المصرية... مدرسة روحية ووحدة حقيقية
أكد المشاركون أن الصحراء المصرية تركت أثرًا عميقًا في نفوسهم، بوصفها أرضًا مقدسة شكّلت عبر التاريخ روح الكنيسة في الشرق الأوسط. وقال أحد المنظمين: “في وادي النطرون، اكتشفنا أن الوحدة الكنسية لا تُبنى على الوثائق، بل على العلاقات الحيّة والإيمان المشترك.”
وجاء البرنامج تتويجًا لأسابيع من اللقاءات الافتراضية التي سبقت الوصول إلى مصر، تناول خلالها المشاركون قانون الإيمان النيقاوي، وتاريخ لجنة “الإيمان والنظام”، بالإضافة إلى مناقشات حول قضايا العدالة والمصالحة والتجارب المؤلمة المرتبطة بالاستعمار والاضطهاد.
أصوات من الشرق الأوسط: إيمان يُعاش لا يُحكى
خلال اللقاء، استمع المشاركون إلى كلمات مؤثرة من غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، والمطران منيب يونان، الرئيس السابق للاتحاد اللوثري العالمي، والقسيسة الدكتورة غريس الزغبي من القدس، الذين تحدثوا عن الشهادة المسيحية في الشرق الأوسط، المجبولة بالمعاناة والصمود والأمل.
وقال أحد الشباب المشاركين: “تعلمنا أن الإيمان في هذه المنطقة ليس مجرد عقيدة نؤمن بها، بل حياة تُعاش وسط الألم والأمل معًا.”
حوار الأديان وزيارة الإمام الأكبر للأزهر
تضمن البرنامج لقاءات تاريخية للحوار بين الأديان بفضل مشاركة الأستاذة الدكتورة عزة كرام، حيث التقى المشاركون فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في حوار روحي وثقافي حول السلام والتفاهم المشترك.
كما زار الوفد المرصد العالمي لمكافحة التطرف بالأزهر، واطلع على جهود المؤسسات الدينية في نشر ثقافة الاعتدال، قبل الانتقال إلى مكتبة الإسكندرية التي تمثل نقطة التقاء بين المعرفة القديمة ورؤية المستقبل.
عبادة ولغات متعددة... قلب واحد في المسيح
تميّزت أيام البرنامج بجلسات صلاة وعبادة بلغات وثقافات مختلفة، عبّر خلالها الشباب عن وحدتهم في الإيمان رغم اختلاف التقاليد الكنسية. وقال أحد القادة المشاركين: “الوحدة تبدأ من القلب، لا من الوثائق الرسمية.”
كما تعاون المشاركون مع طلاب المعهد اللاهوتي العالمي (WCRC)، لتبادل الخبرات حول قضايا الإيمان والعدالة والعمل الاجتماعي.
رسالة إلى مؤتمر الإيمان والنظام: نحو وحدة ملموسة وحقيقية
وفي لحظة رمزية، وجّه الشباب رسالة إلى المؤتمر السادس للإيمان والنظام التابع لمجلس الكنائس العالمي، دعوا فيها الكنيسة إلى المضيّ “أبعد من الحوار” نحو وحدة مرئية ومجتمعية تعبّر عنها الأفعال لا الكلمات فقط.
واختُتمت الفعالية بدعوة عامة إلى “مواصلة التعلّم وبناء العلاقات والعمل من أجل العدالة والسلام، وجعل الوحدة المسيحية حقيقة ملموسة في عالم يمزقه الانقسام.”
“ما بدأ في الصحراء… سيُحمل إلى العالم”
قال أحد المنسقين في كلمته الختامية: “ما بدأ في صحراء وادي النطرون لن يبقى هناك، بل سيُحمل إلى العالم من خلال كل مشارك عاد إلى بلده، يحمل في قلبه رسالة وحدة وعدالة.”
وأضاف: “هذه ليست النهاية… بل البداية لمسيرة إيمان جديدة تربط الكنيسة بالعالم بروح المحبة والرجاء.”










0 تعليق