505 رصاصات مؤكدة… قصة قناص لا يراه أحد

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في أقصى شمال أوروبا، وفي جو قاسٍ يغطي الأرض بطبقات سميكة من الثلج، لمع اسم رجل واحد أرعب جيشًا كاملًا، لم يكن ضابطًا رفيعًا أو قائدًا أسطوريًا، بل فلاحًا بسيطًا من فنلندا تحول خلال حرب الشتاء (1939–1940) إلى أسطورة عسكرية حملت لقبًا واحدًا: “الموت الأبيض”.

746.webp

اسمه سيمو هايها. رجل قصير القامة لا يتجاوز طوله مترًا واثنين وستين سنتيمترًا، لكنه كان يملك أعصابًا من حديد وبصيرة لا تخطئ، التحق بالخدمة العسكرية عام 1925، ولم يكن أحد يتوقع أن يصبح أكثر القناصين دقة في تاريخ الحروب الحديثة.

خلال المواجهة بين فنلندا والاتحاد السوفيتي، اتخذ هايها من الثلج صديقًا ومن الصمت سلاحًا، كان يختفي لأيام طويلة في مواقع ثابتة، مموّهًا برداء أبيض يجعل جسده جزءًا من البيئة المحيطة، ولئلا يكشف البخار الخارج من فمه مكانه في درجات حرارة قد تصل إلى أكثر من أربعين درجة تحت الصفر، كان يملأ فمه بالثلج أثناء التنفس.

اعتمد هايها على بندقية قنص فنلندية من طراز M28 دون استخدام المنظار، لم يكن ذلك نقصًا في الإمكانيات، بل اختيارًا تكتيكيًا؛ فالمنظار قد يعكس ضوء الشمس ويرشد العدو مباشرة إلى مكانه، بينما المشاهدة عبر الفوهة تمنحه دقة صامتة لا تترك أثرًا.

 التقارير تتوالى إلى القيادة السوفيتية


جندي مجهول يتصيد رجالهم واحدًا تلو الآخر.
خمسة، عشرة، خمسون… ثم مئات.

سجّلت سجلات الجيش الفنلندي أكثر من 505 إصابات مؤكدة ببندقية القنص، إضافة إلى نحو 200 إصابة باستخدام السلاح الرشاش. أي أن مجموع ما حققه خلال أشهر معدودة قد يتجاوز 700 إصابة – رقم لم يسبق أن حققه قناص آخر في حرب كبرى.

جن جنون السوفييت. في البداية أرسلوا قناصًا محترفًا ليقضي عليه، لكن الرجل لم يعد. ثم أرسلوا مجموعة قناصة… فكانت النتيجة نفسها. بعدها لم يجدوا حلًا سوى إرسال كتيبة كاملة وإطلاق قذائف المدفعية الثقيلة على المنطقة التي يشتبه وجوده فيها. ورغم ذلك، لم يفلحوا إلا في تمزيق معطفه مرة، وإصابته بخدش سطحي.

وفي السادس من مارس عام 1940، وأثناء مواجهة قريبة، أصابته رصاصة في وجهه أدت إلى تهتك فكّه. يروي أحد الجنود الذين كانوا معه أنه اعتقد بأن سيمو قد مات، فقد بدا وكأن نصف وجهه قد اختفى، لكنه نجا بأعجوبة، واستعاد وعيه بعد انتهاء الحرب بأيام قليلة.

نتيجة لما فعله، رُقي من رتبة عريف إلى ملازم مباشرة من قائد فنلندا الأعلى، في حدث لم يتكرر بهذا الشكل في تاريخ الجيش الفنلندي.

بعد الحرب، عاش سيمو حياة هادئة، يعمل بالصيد والزراعة، بعيدًا عن الأضواء. لم يكن يتفاخر ولا يروي ما فعل، وكأن صفحاته في الحرب كانت مجرد واجب أدّاه ثم أغلقه. رحل في الأول من أبريل عام 2002 عن عمر تجاوز التسعين.

رجل واحد…وبندقية بلا منظار…وجيش كامل لم يستطع الاقتراب منه، تلك هي قصة الإنسان الذي أثبت أن الدقة ليست في السلاح، بل في يد ثابتة وقلب لا يعرف الخوف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق