أكد الدكتور سروار البدّاوي، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة نورث لايت القابضة (NorthLight Holding)، أن مستقبل المنطقة يتوقف على ثلاثة محاور أساسية: التكنولوجيا، والشمولية، والاستثمار الاستراتيجي، باعتبارها مفاتيح التنمية الشاملة وتقليص الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف الدول والمجتمعات.
ويقول البدّاوي إن “الشباب العربي يمثل فرصة تاريخية غير مسبوقة للنمو، شرط أن تُدار هذه الطاقة بعقلية استثمارية واعية تضع الابتكار في قلب عملية التنمية”.
وُلدت رؤية البدّاوي من تجربة شخصية استثنائية؛ إذ عاش لاجئًا في هولندا قبل أن يخدم في الجيش الملكي الهولندي برتبة نقيب في سلاح المهندسين خلال حرب الخليج.
تلك المرحلة كوّنت لديه شغفًا بالأنظمة التقنية الغربية ودفعت به إلى دراسة الهندسة والاتصالات، لتصبح قاعدة انطلاق لمشروعاته في الشرق الأوسط لاحقًا.
بدأت مسيرته المهنية في كردستان أواخر التسعينيات، في وقتٍ كانت المنطقة تفتقر فيه إلى بنية تحتية اقتصادية حديثة.
ورغم التحديات، أطلق مشروعه الأول "كاني ووتر" الذي لبّى حاجة ملحة لمياه الشرب النظيفة، وسرعان ما تطور إلى شراكة حصرية مع شركة كوكاكولا العالمية.
ومن رحم تلك التجربة، وُلدت فكرة إنشاء نورث لايت لتكون منصة تكنولوجية وتنموية تحمل المعايير الغربية إلى الأسواق الإقليمية.
نورث لايت.. من الاتصالات إلى الابتكار المتكامل
منذ تأسيسها، شكّلت نورث لايت القابضة نموذجًا للتنوّع والريادة في مجالات الاتصالات، والسلع الاستهلاكية، وتطوير البنية التحتية، والمشروعات المستدامة. فقد أطلقت الشركة عام 2005 "تارين نت" (TarinNet)، أول مزوّد لأنظمة الشبكات اللاسلكية في المنطقة، ثم تبعتها شركة "كيتس" (KITS) المتخصصة في الحلول التقنية.
وفي عام 2018، أعاد البدّاوي هيكلة المجموعة، ليحافظ على هاتين الشركتين كركيزتين استراتيجيتين ضمن محفظة أعمال نورث لايت. كما توسعت أنشطة المجموعة لتشمل تطوير منتجات معفاة من الرسوم الجمركية، وأنظمة مراقبة جودة متقدمة، إلى جانب استثمارات في قطاعات الطاقة النظيفة والبنية المستدامة.
التكنولوجيا أداة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي
يؤمن البدّاوي بأن التكنولوجيا ليست مجرد صناعة، بل وسيلة لتقليص فجوة الثروة في الشرق الأوسط. ويقول:“نحن نعمل على ربط المناطق الريفية بالحضرية عبر برامج تدريبية وشبكات رقمية تتيح فرصًا متساوية للجميع، لأن العدالة في الوصول إلى التكنولوجيا أساس العدالة في التنمية.”
ويضيف أن التحول الرقمي الحقيقي لا يتحقق فقط بتوفير الإنترنت أو البنية التحتية، بل عبر تمكين الأفراد من اكتساب المهارات الرقمية التي تفتح أمامهم أبواب التعليم والتمويل والعمل، مشيرًا إلى أن شركته تعتمد على نموذج عمل يمنح الأولوية لتنمية الكفاءات المحلية والاستثمار في العقول قبل المشاريع.
الاستثمار في الإنسان أولًا
في عالم يتغير بسرعة، يضع البدّاوي الابتكار واستقطاب المواهب في صدارة أولويات نورث لايت. مؤكدًا أن الابتكار لا يحدث صدفة، بل يحتاج إلى بيئة تُكافئ الإبداع وتحتضن الأفكار الجريئة.”
كما تتبنى الشركة سياسة قائمة على المساواة بين الجنسين والشفافية المؤسسية، متجاوزة المعايير الإقليمية في تطبيق مبادئ الحوكمة والامتثال. وتتعاون نورث لايت منذ تأسيسها مع شركات تدقيق دولية لضمان النزاهة في العمليات المالية والإدارية.
مسؤولية مجتمعية واستثمار في التعليم
تولي المجموعة أهمية كبرى للمسؤولية الاجتماعية، حيث خصصت مؤخرًا 13 مليون دولار أمريكي لإنشاء مساكن جامعية ضمن مبادراتها لدعم التعليم الوطني. ويرى البدّاوي أن التعليم هو الاستثمار الأكثر ربحًا على المدى الطويل، لأنه يخلق جيلًا من الخريجين المؤهلين الذين يساهمون في تطوير الاقتصاد الوطني.
آفاق جديدة نحو الطاقة النظيفة والمجتمعات المستدامة
يتطلع البدّاوي إلى التوسع في مجالات الطاقة الصديقة للبيئة وإعادة تدوير النفايات، مؤكدًا أن هذه القطاعات ستكون محرك النمو القادم للمنطقة. وتعمل نورث لايت حاليًا على مشروع لإنشاء محطة طاقة خضراء ضمن استراتيجيتها للحد من البصمة الكربونية ودعم أهداف التنمية المستدامة.
وفي الجانب العمراني، يؤكد البدّاوي أن المشروعات العقارية ليست مجرد مبانٍ، بل منظومات اجتماعية واقتصادية متكاملة تدعم التماسك المجتمعي، من خلال دمج المساحات الثقافية والتراثية مع البنية الحديثة لتحسين جودة الحياة في المدن.
الابتكار والشمول.. معادلة التحول الرقمي
يخاطب البدّاوي الشباب العربي الطموح قائلاً: “ابدأوا برؤية واضحة، تحلّوا بالصبر، واعتبروا الفشل جزءًا من الرحلة،فضولكم هو وقود النجاح، ولا تنسوا جذوركم مهما بلغت إنجازاتكم.”
ويضيف أن تجربته الممتدة من لاجئ في هولندا إلى رئيس مجموعة إقليمية علّمته أن النجاح المستدام لا يقاس بالأرباح فقط، بل بمدى تأثيره على حياة الناس.
نموذج إقليمي للتنمية الذكية
من مقره في العراق والإمارات، يقود سروار البدّاوي اليوم مجموعة نورث لايت القابضة كرؤية اقتصادية متكاملة تجمع بين الابتكار، والمسؤولية، والشمولية، لتُصبح مثالًا يُحتذى به في بناء نموذج تنموي عربي يعتمد على الذكاء التكنولوجي والعدالة الاجتماعية.
0 تعليق