"أسبوع القاهرة للمياه"، ذلك الحدث السنوى؛ الذى أصبح منارة فكرية، ومركزا عالميا للحوار والتعاون، حيث تتلاقى الرؤى وتتوحد الإرادات، من أجل قضية مصيرية، ألا وهى "حماية المياه".. لأنها سر الحياة وأصل الوجود، كانت تلك العبارة مستهل كلمة الرئيس السيسي في كلمته بالأمس.
كما أكد أن قضية المياه، لم تعد شأنا محليا أو إقليميا فحسب، بل قضية عالمية، تتطلب تكثيف التعاون الدولي، وتضافر الجهود لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، لهذا المورد الوجودي.
كما أن التوجّه الحكومي نحو تخفيض استهلاك الفرد من المياه إلى 150 لترًا يعكس إدراكًا حتميًا لضغوط الموارد المائية، لكن نجاح هذا الهدف يعتمد بشكل كبير على جدية الإصلاح في شبكات التوزيع، اعتماد آليات مراقبة، وصيانة دورية للبنية التحتية، بالإضافة إلى التوعية الحقيقية للمواطن.
كيف تغير الموقف المصري من سد النهضة؟
أكد الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، أن الموقف المصري من أزمة سد النهضة لم يتغير، مشددًا على أن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل غير قابلة للتفاوض أو التهاون، وأن الدولة لن تسمح بالمساس بحصة مصر من المياه، أو تهديد أمن وسلامة الشعب المصري.
وشدد وزير الري على أن باب المفاوضات بشكلها الحالي مع اثيوبيا قد أُغلق تمامًا، وأن مصر لن تعود إلى دائرة تفاوضية مغلقة لا تفضي إلى نتائج، موضحًا أن أي حوار قادم يجب أن يكون مبنيًا على أسس واضحة وإطار قانوني ملزم يحفظ حقوق الجميع.
وشدد الوزير على أنه لا مساس بنقطة مياه واحدة من حصة مصر، ولن نتنازل عن حقوقنا التاريخية في مياه النيل مهما كانت الظروف"، داعيًا إلى تحمل المسؤولية الجماعية في حفظ حقوق شعوب حوض النيل، وتحقيق التنمية المستدامة دون الإضرار بأي طرف.
وقال سويلم خلال المؤتمر الصحفي على هامش اسبوع القاهرة للمياه، إن الدولة المصرية تدرك حجم الضرر الذي قد ينجم عن التصرفات الأحادية الإثيوبية، لكنها في الوقت نفسه تبذل كل جهد لضمان ألا تصل آثار ذلك الضرر إلى المواطن المصري، مشيرًا إلى أن ما يحدث الآن من الجانب الإثيوبي يمثل تعنتًا صريحًا وانتهاكًا واضحًا لقواعد القانون الدولي.
وأضاف: أن الإصرار على بناء سد بهذا الشكل وبدون اتفاق مُلزم بين الأطراف، يُعد مخالفة صريحة، كما أن طريقة الإدارة الإثيوبية لسد النهضة اتسمت بالعبث والتهور، وأدت إلى إرباك حسابات نظام نهر النيل، خصوصًا في فيضان النيل الأزرق.
سويلم: ما تقوم به أثيوبيا عبث واستعراض
وأوضح وزير الري أن إثيوبيا قامت بتجميع كميات كبيرة من المياه بشكل متسارع ومتعمد ما تسبب في وصول المياه إلى مفيض الطوارئ في السد الاثيوبي، لأغراض إعلامية واستعراض سياسي، وهو ما وصفه بـ"العبث"، مؤكدًا أن هذا السيناريو يعكس صحة الموقف المصري الذي طالب دومًا بضرورة وجود اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل طويل الأمد للسد.
وأشار سويلم إلى أن الدولة تعمل حاليًا على توسيع القدرة التصريفية لمفيض توشكى، للتعامل مع أي زيادات مفاجئة في المياه، مؤكدًا أن ما يجري حاليًا ليس وليد الصدفة، بل نتيجة مباشرة لنهج إثيوبيا غير المنضبط في إدارة مياه النيل الأزرق.
وحذر وزير الري من أن "استمرار إثيوبيا في هذا المسار سيكون له ثمن، ولن تمر هذه الممارسات دون مساءلة"، مشددًا على أهمية توثيق كافة الإجراءات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا، باعتبارها تمس أمن دول المصب وتهدد الاستقرار الإقليمي.
ماذا يستفيد المواطن؟
وهنا يأتي دور المواطن كيف يصبح شريكا فعالا في الحفاظ على المياه في عالم يتزايد فيه الطلب على المياه، بالإضافة الي ما تفعله أثيوبيا الجارة الشقيقة من سدود تهدد مستقبلنا المائي.
أوضحت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» أن تحسين تقنيات الرى أدى إلى انخفاض بنسبة ٥٠٪ من استهلاك المياه والطاقة كما أن استخدام المكافحة الحيوية لبعض آفات النخيل أدى إلى زيادة الإنتاج بنسبة ٢٠٪.
ويشير الدكتور حسام علام، المدير الإقليمى لمركز البيئة والتنمية العربى وأوروبا «سيداري»، إلى نقطة مهمة فى جعل المواطن شريكا أساسيا فى التنمية البيئية المستدامة من خلال جعله مستفادا أيضا لكى يكون فعالا فى المشاركة، قائلا «دائما يسأل المواطن ماذا سأستفيد وما العائد عليً من تنفيذ تلك السياسات للحد من ظاهرة تغير المناخ أو الانبعاثات الملوثة للبيئة».
وأضاف علام فى تصريحات خاصة لـ«البوابة» أن هنا يأتى دور المجتمع المدنى والإعلام فى التوعية فى عدد من المجالات، فمثلا فى الزراعة سيتم توعية المزارع بالأمراض الجديدة التى ستطال محاصيله والصحة يتم توعيته بالأمراض التى سيتعرض لها حال استمرار السياسات الخاطئة بالبيئة».
أيضا يضيف أساليب الاستدامة للإنتاج والاستهلاك ستأخذ بعض الوقت بدءا من عدم استخدام البلاستيك وترشيد استخدام الموارد الغذائية والكهربائية.
دليل جديد في تصميم محطات المياه
في خطوة لافتة، أعلنت الحكومة المصرية مؤخرًا أنها تعتمد دليلًا جديدًا في تصميم محطات المياه يهدف إلى ترشيد استهلاك الفرد، بحيث يصبح المتوسط اليومي حوالي 150 لترًا بدلًا من 250 لترًا حاليًا.
جاء ذلك في سياق اجتماع رسمي ناقش مشروعات تقليل الفاقد، إعادة استخدام مياه الصرف، وزيادة الاعتماد على محطات المعالجة والتحلية.
غير أن الواقع الميداني يقدم صورة معقدة، فبينما تُعلن الحكومة أن متوسط ما يُضخ في شبكات مياه الشرب يصل إلى نحو 11.1 مليار متر مكعب سنويًا، ويُقدَّر أن الاستهلاك اليومي للفرد وفق هذه الأرقام يصل إلى حوالي 274 لترًا، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن الكمية الفعلية التي يصل إليها المواطن قد تكون أقل كثيرًا بسبب الفاقدات والتسريبات.
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، يقول إن نحو 25٪ من مياه الشرب تُفقد أثناء النقل والتوزيع، نتيجة تسريبات وكسور في المواسير أو أعطال البنية التحتية، مما يقلل ما يصل فعليًا إلى المستخدم؛ وأحيانًا ما يصل إلى أقل من 100 لتر في اليوم لبعض المناطق.
هذه الفجوة بين الكمية المقدَّرة للاستهلاك وبين الكمية الفعلية التي تصل للمواطن، تطرح أسئلة كبيرة حول مدى جدوى التوجّه إلى 150 لترًا كهدف ترشيدي، خصوصًا إذا لم تُعالج مسبقًا أسباب الهدر والفُقد في الشبكات والبنية التحتية.
منظومة الري المصرية 2.0
واستعرض الدكتور سويلم عرض تقديمى لأبرز محاور الجيل الثاني لمنظومة الري المصرية 2.0 والتى تعتمد على التكنولوجيا الحديثة فى إدارة المياه فى مصر، مثل الإعتماد على صور الأقمار الصناعية والتصوير الجوى بالدرون لتسهيل متابعة كافة عناصر المنظومة المائية، ورفع كفاءة محطات الرفع لتقليل استهلاك الطاقة، ومتابعة التزام المزارعين بنظم الرى الحديث بالأراضى الرملية، ورفع كفاءة الكوادر البشرية المتخصصة بالوزارة، وتوعية المواطنين بقضايا المياه، والتطوير المؤسسى والتشريعى.
كما استعرض سيادته مجهودات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه بالتحول من استخدام المناسيب لاستخدام التصرفات فى إدارة المياه، واستخدام كاميرات لقياس التصرفات المائية على ترعة الإسماعيلية كمرحلة تجريبية.
كما أشار لمجهودات الوزارة فى مجال التوسع فى إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى، ورؤية الوزارة نحو التوسع فى تنفيذ محطات لامركزية لمعالجة مياه الصرف الزراعى على امتداد شبكة المصارف الزراعية، مع دراسة إعداد خطة استراتيجية للتعامل مع ملوحة مياه الصرف الزراعى.
0 تعليق