على مدار الأيام الماضية، تأثرت أراضي طرح النهر في محافظتي المنوفية والبحيرة من آثار فيضان نهر النيل، وهي الأراضي التي تقع داخل مجرى النهر، وأُثيرت تساؤلات عديدة حول السبب الرئيسي ومدى اضطلاع "سد النهضة" في اثيوبيا وآثاره السلبية في الأمر، وماهي الفيضانات السودانية التي أُتهمت أيضًا بأنها السبب.
وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية طمأنت المواطنين بأن إدارة موارد مصر المائية تتم بكفاءة عالية وبصورة مدروسة وتراعي جميع الاحتمالات، وأن السد العالي ضمانة رئيسية تحمي البلاد من الفيضانات وتقلب المناسيب، إلا أن هناك العديد من الأسئلة التي تدور في الوسط الشعبي حول الأمر.
ولمعرفة الأوضاع عن قرب كان لابد من إجراء حوار يكشف كواليس الأحداث ومخاطر سد النهضة مع رئيس قطاع مياه النيل الأسبق الدكتورعبد الفتاح مطاوع خبير الموارد المائية ورئيس قطاع مياه النيل الأسبق، والأستاذ المتفرغ بمعهد بحوث إدارة المياه بالمركز القومي لبحوث المياه، وهو أيضاً كاتب وباحث له العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات، ومن أهم مؤلفاته كتاب عن الموارد المائية ومشكلات سد النهضة الأثيوبي بعنوان "بولوتيكا سد النهضة".
ما هي السيناريوهات الأسوأ إذا حدث انهيار جزئي في سد النهضة أو جاء تصرف إثيوبيا الأحادي في تصريف المياه بكميات أعلى من المفترض على النهر الأزرق؟
إذا حدث تصرف أحادي في كميات تصريف المياه بشكل كبير من سد النهضة فالخطورة ستكون على السدود السودانية أولًا؛ فقدرتها على استيعاب كميات التصريف الكبيرة محدودة وبالتالي قد يحدث انهيار للسدود واحدًا تلو الأخر، وخاصة في حالة امتلاء السدود مسبقًا بسبب الفيضانات، فليس بالضرورة أن ينهار سد النهضة ليكون هناك خطورة ولكن التشغيل الخاطئ، أو التشغيل "المتعمد" الخاطئ، وعدم التنسيق هو بشكل رئيسي "مؤشر خطير"، وستكتسح الفياضات الناتجة عن انهيار السدود أو فتح بواباتها بشكل مفاجئ لغرق الخرطوم والبلاد الشمالية.
يطرح هذا الوضع فكرة ضرورة التنبؤ بالأوضاع.. هل يوجد لدى مصر والسودان مراكز تنبؤ مبكرة؟
بالنسبة للسودان والوضع السياسي الحالي والمشكلات، أعتقد أن هناك غياب للتواجد على الأرض الواقعية من الأجهزة التي تدير المنظومة واتخاذ القرارات. وفي مصر هناك مراكز تنبؤ واستخدام الأقمار الصناعية يظهر كميات الأمطار المتوقع هطولها على مدار أسابيع مستقبلية. ويتم التوقع كميات التصرفات الجارية في نهر النيل وفروعه.
إضافة إلى الخبرات الموجودة في قطاع مياه النيل، مثل موسوعة حوض نهر النيل وتشمل 250 مجلد يوجد بها أرصاد لنهر النيل وفروعه من عام 1870 حتى اليوم أي على مدى 150 عام. وهذا ما يساعد المخطط من قراءة المشهد.

والأزمة إذا حدثت انهيارات للسدود السودانية في حالة امتلاء السد العالي، مما سيكون على متخذ القرار تصريف المياه في منخفضات توشكى وجميع المصارف الممكنة، وقد يتسبب في غرق أراضي طرح النهر أكثر بكثير مما تم مشاهدته في الأسابيع الماضية.
هل وجود منخفضات وقناطر جديدة تحد من الأزمة أو مسارات للنهر بديلة لمدن صحراوية مثل الواحات؟
السد العالي أقصى تصرف يومي له في فصل الصيف 250: 260 مليون متر مكعب يوميًا، وإذا تم تصريف المياه بكمية أكبر أو حتى بحدود 270: 280 مليون متر مكعب، فسيؤدي ذلك إلى غرق أراضي طرح النيل من اسوان حتى الدلتا، والحل يكون بحجب المياه قبل وصولها السد العالي.
وهناك كميات كبيرة موجودة في منخفضات توشكى وبالفعل يمكن الاستفادة منها في مشاريع زراعية وجزء منها يتم حجزه للخزان الجوفي في الصحراء الغربية.
وأدعو العلماء المصريين بالاستفادة من المياه في اتجاه شرق بحيرة ناصر، والبحث عن أماكن في الصحراء الشرقية لتخزين جزء منها أو تحويل المياه في اتجاه البحر الأحمر والاستفادة منها في التنمية.
السيناريو الآخر لسد النهضة إحداث "شح مائي" فهل هناك تهديدات بنقص المصادر المائية في مصر؟ وما الحلول المطروحة؟
منذ بناء السد العالي هناك حصة ثابتة لمصر من نهر النيل، ونحن نستخدم نهر النيل بشكل رئيسي كمصدر للمياه، على الرغم من وجود مياه جوفية أو مصادر متجددة وغير متجددة، وثبات الحصة المائية من نهر النيل مع زيادة السكان هو ما يسبب التهديد بنقص المصادر المائية، فنهر النيل حاليًا يقدم 50% فقط من حصة الغذاء اللازم للمصريين، ويتم استيراد الـ50% الأخرى من الأغذية مثل القمح والذرة وغيرهم.
وهناك العديد من الأفكار لرفع المصادر المائية، وهناك مشروع اقترحته ببناء سد آخر في بحيرة ناصر جنوب أسوان بما يبعد 133 كيلو متر، وعن طريقه نستطيع توفير 2 مليار متر مكعب من مياه البخر الموجودة في السد العالي، وهي كمية كبيرة وبمقارنتها بجميع محطات تحلية المياه المتواجدة في مصر والتي تنتج 400 مليون متر مكعب فقط. وبالتالي يمكن استخدام مياه السد الجديد في العديد من الأنشطة وهو معدل يكفي لـ 20 مليون نسمة.

وهناك إحصائيات ودراسات في علم المياه توضح متوسط استخدام المياه، فإذا كنا سننتج الغذاء من المياه فنحتاج 1000متر مكعب للفرد في العام، وإذا كان هناك أنشطة تجارية وصناعية وعمرانية نحتاج 100 متر مكعب للفرد في السنة، ولذلك يمكن استخدام السد الجديد في الأنشطة التجارية والعمرانية والصناعية بما يكون له فائدة وقيمة أعلى. ولكن للأسف المشروع طي الأدراج منذ 25 عام.
وللعلم أيضًا هناك مشروعات في جنوب السودان منذ اتفاقية 1959، لاستقطاب الفواقد الزراعية الموجودة في جنوب السودان، وهي انشاء قناة جونقلي، وتحويل المسار، وتحويلات بحر الغزال، إذا تم تنفيذهم سيضيفون 18 مليار متر مكعب لمصر والسودان.
ولماذا لم تنفذ تلك المشروعات؟
على الرغم من أن قناة جونقلي بدأ شقها ولكن لم يكتمل المشروع وتوقف تماماً بعد الحرب الأهلية السودانية الثانية عام 1984؛ بسبب الأحداث العسكرية والسياسية، على الرغم من أنه تم حفر 240 كيلو متر من أصل 360 كيلو متر، ويعتبر استكمال القناة أمراً مهماً جداٍ فعندما يرتفع منسوب النيل حالياً في موسم الفيضان وينخفض في باقي أشهر السنة، وفي حالة وجود القناة فإن الوضع الطبيعي للفيضانات سيتغير بحيث تنخفض المناسيب في موسم الفيضان وترتفع في باقي السنة، بحيث يتم ضبط جريان النيل.
ونتيجة عدم الاستقرار والحروب الاهلية في السودان توقفت المشروعات، وهذا يدحض المقولات بأن من مصلحة مصر وجود صراعات في الدول لتستحوذ على نهر النيل، فمصلحة مصر استقرار الدول لبناء شراكات للتنمية وتنفيذ المشروعات، فحصة المياه يضيع منها 18 مليار متر مكعب، وإذا تم تنفيذ المشروعات فستحصل السودان على النصف ومصر على النصف الاخر أي 9 مليار متر مكعب لكل منهما.
ماذا عن المقترح بتحويل نهر النيل في السودان؟
بصفتي عضواً سابقاً باللجنة الفنية الدائمة بين مصر والسودان، فكنا نجتمع لتقييم المشروعات، لم يتم طرح هذا المشروع من قبل، وقد يكون ما يثار حالياً يرجع لصراعات سياسية داخلية، وهي بالنهاية مجرد "فكرة" قد لا يتم تنفيذها، وأشك في مدى جدواه أيضًا.
وما جدوى مقترح النهر الجديد في مصر؟
النهر الجديد في الأرض الغربية هي كميات مياه من المصارف يتم عمل تنقية للمياه من الشوائب وليس الاملاح، ويتم استخدامها مرة أخرى للزراعة او العمران او الاستخدامات الصناعية. ولكن في حدود معلوماتي هناك منطقة صخرية في اتجاه القناة والمقترحات بإنشاء مجتمعات عمرانية حديثة، ولكنه ليس أمر أساسياً ولا يمكن تسميته "بنهر" ولا يمكن أن نقارنه بنهر النيل.
هل التحديات التي تقابل مصر في إدارة المصادر المائية فنية أم مالية؟
أهم التحديات أولًا هو التحدي الفني بالاستفادة من المياه الزائدة والتصريفات، وبدلاً من تبخر مياه النيل في السد يجب أن يكون لها إدارة من خلال العلماء والمختصين، خلال الأعوام السابقة كان التركيز ينصب على الشح المائي أو الجفاف، ولكن ما أوجه الاستفادة من الفيضانات الممتدة وتلافي سلبياته فالأمر قد يحدث فجأة وبشكل سريع، وإذا استمرت مناسيب المياه في الارتفاع.
0 تعليق