حين تقرأ القرآن الكريم، تُلاحظ وضع النقاط والتشكيل على حروف المصحف، وحين تدرس اللغة العربية، تجد مادة تُسمى بالعَروض، وتُشرح بأنها أوزان شعرية لضبط أوزان القصيدة، لكننا أحيانًا نجهل العلماء الذين وضعوا أُسُس هذه العلوم، ربما بعضنا يعرف أسماءهم، لكننا لا نعرف عن حياتهم شيئًا، لذا سنستعرض جزءً من حياتهم في السطور التالية۔
أبو الأسود الدؤلي
هو ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني وهو من ساداتِ التابعين، وأعيانِهم، وفقهائهم، وشعرائهم، ومحدِّثيهم، ومن الدهاة حاضرِي الجواب. وهو كذلك عالم نحوي، وأول واضع لعلم النحو في اللغة العربية وهو مَن شكّل أحرف المصحف على الاصطلاح القديم، بوضع النقاط على الأحرف العربية، التي أصبحت فيما بعد (الفتحة، والضمة، والكسرة). وكان ذلك بأمر من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ما ذُكِر، وُلد قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآمن به، لكنه لم يرَه، لذا فهو معدود في طبقات التابعين صَحِب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الذي ولاه إمارة البصرة في خلافته.
كُنِّيَ بأبي الأسود، وقد طغت كنيته على اسمه، فاشتهر بها، علمًا بأنه لم يكن ذا بشرة سوداء، وليس له ولد اسمه أسود وإنما رضيها لنفسه، لأن اسم (ظالم) ثقيل على السمع، كما أنه يتنافى مع مكانته الاجتماعية، كونه قاضيًا يتصف بالعدل، فأبعد اسمه عن نفسه، حتى لا يؤثر على المظلوم، أسلم أبو الأسود الدؤلي، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، على الرغم من أنه أدركهفهو من المخضرمين وليس من الصحابة، إلا أنه ورد المدينة المنورة وسمع من بعضهم.
أصيب أبو الأسود الدؤلي في آخر حياته بمرض الفالج، مما سبب له العرج وتوفي في البصرة، في عام 69 هـ، في طاعون الجارف، وعمره 85 عما. وقد أعقب من الولد: "عطاء، وأبو حرب، وابنة لم يُذكَر اسمها.
الخليل بن أحمد الفراهيدي
هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، وكنيته أبو عبد الرحمن، شاعر، ونحوي عربي بصري، يُعد عالمًا بارزًا، وإمامًا من أئمة اللغة والأدب العربيَيْن ولد في مدينة البصرة في العراق، ومات فيها، وتشير بعض المصادر، إلى أنّه ولد في عُمان وهو واضع علم العروض، وقد درس الموسيقى والإيقاع في الشعر العربي، ليتمكّن من ضبط أوزانه عاش زاهدًا، تاركًا لزينة الدنيا، محبًا للعلم والعلماء وقدم الفراهيدي أول وأقدم قاموس للغة العربية باسم: "كتاب العَيْن". كما قدم نظام علامات التشكيل في النص العربي، وكان له دور فعال، في التطوير المبكر للعروض، وعلم الموسيقى، والأوزان الشعرية.
وأثرت نظرياته اللغوية، على تطور العروض الفارسية، والتركية، والأردية وُصِف ب"النجم الساطع" لمدرسة نحاة البصرة، وهو عالم موسوعي وباحث، وكان رجلاً صاحب تفكير أصيل كما وُصِف بالرائد الأول لعلم المعجميات.
كان الفراهيدي أول عالم، أخضع عروض الشعر العربي الكلاسيكي، لتحليل صوتي مُفصَّل، إذ كانت البيانات الأولية التي أدرجها وصنفها دقيقة، لكنها معقدة للغاية وصعبة الإتقان والاستخدام وفي وقت لاحق، طور المُنَظِّرون صيغًا أبسط، مع قدر أكبر من التماسك والمنفعة العامة.
تلقى العلم على يديه العديد من العلماء، الذين أصبح لهم شأن عظيم في اللغة العربية، ومنهم: سيبويه، والأصمعي، والكسائي، يختلف لقبه "الفراهيدي" عن اسمه القبَلي، فهو مشتق من سلف له، اسمه فرهود (وتعني شبل)؛ بصيغة الجمع (فراهيد) وتوفي في البصرة، في شهر جمادى الآخر، عام 174 هـ، في خلافة هارون الرشيد.
















0 تعليق