جميعا مر بتلك اللحظة، اللحظة التى تكون مثقلا فيها بأعباء يوم طويل، لكن صوت أم كلثوم يأخذك ولو للحظات بسيطة بعيدا، ويشعرك بأن هناك شيئا جميلا مازال موجودا فى العالم وأن همومك مهما بلغت، يمكن أن تتضائل، وهذا هو السحر الكامن فى صوت "الست".

لا يستطيع أحد إنكار حلاوة وقوة ذلك الصوت الإستثنائى، لكن هناك شىء ما فى ذلك الصوت من الصعب تفسيره أو استيعابه، فهو يبعث على الطمأنينة والهدوء والسلام النفسى بشكل غير مفهوم، وليس بالضرورة أن تكون من عشاق كوكب الشرق أو من مستمعى أغانيها المخلصين، أو انك ممرت بتجربة شعورية تتماشى من الأغنية التى تسمعها، لكن لا يمكنك إنكار أنك وقعت تحت أسر صوتها ولو للحظات قليلة، سواء كنت جالسا على مقهى أو تذاكر دروسك، أو حتى تحاول التركيز أكثر فى عملك، فيزيدك صوتها تركيزا وتشجيعا لأكمال مهمتك مهما كانت، أو حتى للحصول على هدنة صغيرة تعينك على المواصلة.

أعترف أنى لست من عشاق الست، لكن والدتى عاشقة مخلصة لها لدرجة تجعلها لا تحتمل سماع أغانيها من أى شخص أخر مهما بلغت حلاوة صوته، فصوت الست لا مثيل له، وخلال سنوات طفولتى كانت أغانى أم كلثوم تنبعث من راديو المطبخ مساء كل يوم، بينما تدندن معها والدتى أغنيها بمزاج رائق، لتتحول معها مشقة أعمال المنزل التى كانت تقوم بها للحظات من الطرب والسلطنة والسعادة، قطعها مرورها بفترة عصيبة حاربت خلالها مرض السرطان الشرس، لكن عندما عاد صوت أم كلثوم يصدر من راديو المطبخ من جديد يصاحبه صوت والدتى المحب، لتنسى معه آلامها، وأدرك أنا فى تلك اللحظة أنها بدأت تتعافى، وأن كل شىء سيصبح على ما يرام.

ربما أخذت وقتا طويلا حتى يصبح لدى صبر الكبار على سماع أغنية واحدة قد يصل زمنها للساعتين، لكن لا يمكننى انكار الهدوء الغريب الذى أشعر به كلما سمعت ذلك الصوت ولو بشكل عابر، صوت يأسرك بسحره وينسيك همومك متاعبك ولو للحظات عابرة بنهاية يوم طويل.