تحظى أم كلثوم بمكانة خاصة جدا بين المصريين، لا لكونها صوت مصر الأهم فى تاريخ الغناء العربي، ولا للإرث الفنى الذى تركته، ولكن لكون أم كلثوم فى ذاتها حالة تستحق التأمل دائما، مفهوم أن الأجيال التى عاصرتها، تكون أكثر ارتباطا باسم أم كلثوم، نظرا لقرب المسافة بين كوكب الشرق وبينهم، فهم من شاهدوا التجربة كاملة، ورأوا هذا التأثير العظيم لهذه السيدة خلال سنوات عطائها الفني، وأيضا عطائها الوطنى، لكن المدهش فى حالة أم كلثوم، هو حالة التواصل بينها وبين أجيال جاءت بعدها حتى بنصف قرن من الزمان، وهى أكثر ما يستحق التأمل فى شخصية أم كلثوم، فـ "الست" لاتزال حاضرة حتى الآن فى كل المناسبات، فى الحب والفرحة والحزن والغضب والفراق والنشوة وحتى فى حب الوطن.
استمرارية أم كلثوم، واستمرار إرثها بين الأجيال الحالية، يُعد بمثابة علامة استفهام كبيرة، تحتاج للكثير من الدراسات لتفسيرها كظاهرة نادرة استثنائية لا يمكن تكرارها، فأبناء الجيل الحالي، يستمعون لموسيقى جديدة، معاصرة، مختلفة، وأسماء من الشرق ومن الغرب، ومن الشمال ومن الجنوب، يواكبون الجديد ويهضمونه جيدا، ومع ذلك، تجد أم كلثوم حاضرة كرقم ثابت فى معادلة الغناء المصري، فللجميع ذائقة فنية خاصة، والجميع يسمع أم كلثوم.
وإذا كانت الأرقام هى لغة العصر الحالى، فكوكب الشرق ليست بعيدة نهائيا عن هذه اللغة، فمثلا يتباهى أكبر نجوم الوطن العربى بحصد ملايين المشاهدات والاستماعات على المواقع والمنصات، ومع ذلك، فاسم أم كلثوم يناطح هذه الأسماء بأرقام ربما تتفوق فى بعض الأحيان على كثير منهم.
رغم موتها منذ خمسين عاما، إلا أنه يمكن اعتبار أم كلثوم نجمة لامعة فى العالم الرقمى، وهو أقصى ما يتمناه أى نجم غنائى حاليا، فالأرقام التى تحققها أغنيات أم كلثوم على مواقع التواصل الاجتماعى، أو المنصات الغنائية الشهيرة، تضاهى أرقام المطربين المعاصرين، مع الأخذ فى الاعتبار أن أغنيات أم كلثوم، منها ما يمتد قرابة الساعة، وربما تخطى ذلك، فى الوقت الذى لا تصل أغنية حديثة لأى مطرب حالى إلى الـ 5 دقائق، وهو ما يثير أيضا دهشة، ويعطى مؤشرات إلى ذائقة الأجيال الجديدة.
أغانى أم كلثوم وحفلاتها الصوتية أو المصورة، موجودة على مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أنه فى الفترة الأخيرة، نشب صراعا بين العديد من الأطراف حول حقوق ملكية أغنيات أم كلثوم، الأمر الذى ترتب عليه، حذف العديد من الأغانى الخاصة بأم كلثوم، والتى وصلت إلى مئات الملايين من المشاهدات، بل أن اسم أم كلثوم فى أحد المنصات المتخصصة فى الغناء، يتابعه أكثر من 3 مليون متابع من مستخدمى التطبيق، وحازت أغنيتها على ما يقرب من الـ 100 مليون استماع.
فى حوار سابق مع الإعلامية لميس الحديدى، قال الدكتور حسام لطفى مستشار جمعية المؤلفين والملحنين، إن تسجيلات أم كلثوم حققت 200 مليون دولار فى 10سنين على اليوتيوب، وهو رقم ضخم جدا، تعجز الأسماء الكبيرة فى عالم الغناء اليوم أن تصل إليه.
هذا الحضور الطاغى لأم كلثوم فى العالم الرقمى الفضائي، يؤكد على قدرتها الفذة على الاستمرارية، حتى بعد وفاتها منذ 50 عاما، وسط اعتقاد بأن الجمهور اختلف، وأن الذائقة الفنية ذهبت إلى ألوان أخرى من الغناء.
ما يثير الدهشة أيضا، أن أسماء أغنيات أم كلثوم الخالدة، مازالت رائجة، بل وتُستخدم فى كثير من المناسبات، لدى أبناء الجيل الحالي، فالعديد من المطاعم والمقاهى والمحلات، تختار اسما من أسماء أغنيات أم كلثوم، ليكون اسما للمطعم أو المقهى أو المحل، مثل "الأطلال"، "هذه ليلتى"، و"سيرة الحب"، و"انت عمري"، ولا يكتفى أصحاب هذه الأماكن بذلك فحسب، لكن دائما ما تكون صور أم كلثوم حاضرة فى المكان، وصوتها قادم من داخله.
أم كلثوم، ليس أسطورة مضت فى لحظة من لحظات تاريخ مصر، ولكنها أسطورة مستمرة، ظلت طوال حياتها تزرع معانى الحب والإخلاص والوفاء داخل نفوس محبيها من مصر والعالم العربى، وحتى الآن مازال الحصاد مستمرا.















0 تعليق