في سابقة وصفها عدد من المثقفين بـ الأخطر في تاريخ النشر العراقي الحديث، تحولت منشورات لدار ألكا للنشر لترويج مجموعة من إصداراتها الجديدة بمعرض العراق الدولي للكتاب الأخير، إلى قضية رأي عام ثقافي، فجّرت جدلاً واسعاً حول "نزاهة النشر"، و"السرقات الأدبية"، واستخدام "الذكاء الاصطناعي" في تزوير المعرفة.
بدأت القصة بمنشور للكاتب والصحفي العراقي صادق الطائي، اتهم فيه الدار بطباعة وتوزيع كتب "وهمية" لا أصل لها، منسوبة لمؤلفين ومترجمين لا وجود لهم، وانتهت بإغلاق الدار وسحب الكتب، وسط تساؤلات قانونية وأخلاقية لا تزال تبحث عن إجابات.
شرارة الأزمة.. كتب بلا أصل
أثار الطائي الجدل عندما كشف عبر صفحته الشخصية ما وصفه بـ"التضليل الثقافي المتعمد"، مؤكداً بعد فحص دقيق أن مجموعة من إصدارات دار "ألكا" التي قُدمت للقارئ بوصفها ترجمات لكتب عالمية، هي في الحقيقة كتب "منتحلة".
واستند الطائي في اتهاماته إلى جملة من الحقائق، أبرزها: غياب المؤلفين فلا وجود للأسماء الأجنبية المنسوبة إليها الكتب في أي أرشيف أكاديمي أو قواعد بيانات عالمية، بالإضافة إلى تزوير البيانات فالكتب تحمل أرقام إيداع دولية (ISBN) غير مسجلة، بل إن بعض الأرقام مكررة على أغلفة مختلفة، فضلا عن ركاكة المحتوى، إذ أن النصوص تفتقر للمنهجية العلمية، وتبدو لغتها أقرب لـ"الإنشاء العام" أو نواتج الترجمة الآلية الرديئة، خالية من المراجع والإحالات.
ومن بين العناوين التي طالتها الاتهامات: "عاصفة ستالين"، "الحسن الصباح"، "الإمبراطورية الصفوية"، و"هتلر والنساء".
دفاع مرتبك.. بين "المؤامرة" و"أخطاء المكتب"
في مواجهة هذه الاتهامات، جاءت ردود فعل القائمين على الدار متباينة، وتطورت من الدفاع الهجومي إلى الاعتراف الضمني بالخطأ.
فاطمة بدر، مديرة الدار الحالية، نفت في تصريحات صحفية البداية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأليف، مبررة تغيير العناوين بأنه "عرف متبع عالمياً"، وألقت باللوم على آلية استلام الكتب عبر الإيميل وصعوبة التحقق منها، مشيرة إلى أنها تخضع الترجمات لبرامج كشف الذكاء الاصطناعي وتقبلها إذا كانت "بشرية بدرجة معقولة".
من جانبه نفى الروائي علي بدر (مؤسس الدار ومديرها السابق) علاقته الإدارية المباشرة بالدار حالياً، رغم ترويجه للكتب إبان المعرض، وفي تصريحات لاحقة، أقر بدر بوجود "خطأ كارثي"، محملاً المسئولية لـ"مكتب ترجمة غير معروف" تعاملت معه الدار، ومشيراً إلى أن التحقيقات الداخلية كشفت أن بعض الكتب قد تكون "مؤلفة وليست مترجمة"، ونفذها شخص واحد بلغة أدبية، وليست نتاجاً لمؤلفين أجانب كما زُعم.
الذكاء الاصطناعي.. المتهم الخفي
فتحت القضية بابًا واسعاً لنقاش مخاوف المثقفين من تغول التكنولوجيا على الإبداع، ويرى الطائي أن ما حدث ليس مجرد سرقة حقوق، بل "تزييف للمعرفة" باستخدام تقنيات توليد النصوص (مثل ChatGPT)، وتقديمها للطلاب والباحثين على أنها مصادر رصينة.
وقد عزز هذا الشك عجز الدار عن تقديم الأغلفة الأصلية للكتب المزعومة، واعتراف المديرة باستخدام الذكاء الاصطناعي في "التدقيق"، مما يشير إلى منطقة رمادية خطرة في صناعة الكتاب العراقي.
تداعيات وآثار قانونية
أسفرت الضغوط عن إعلان الدار وقف بيع الكتب وسحبها وفتح تحقيق داخلي، إلا أن القضية لم تقف عند هذا الحد، فقد دخلت "جمعية الناشرين والكتبيين في العراق" على الخط، واتخذت قراراً بشطب عضوية الدار، وحرمانها من المشاركة في فعاليات الجمعية ثلاث سنوات، وذلك على خلفية مخالفات تتعلق بموثوقية بيانات عدد من إصداراتها وقضايا مرتبطة بحقوق الملكية الفكرية.

















0 تعليق